مقال

الدكروري يكتب عن الإمام بدر الدين الشوكاني ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام بدر الدين الشوكاني ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

والغاية لابن الإمام، ومختصر المنتهى، لابن الحاجب في أصول الفقه، ومنظومة ابن الجزري، في القراءات ومنظومة الجزار في العروض، وآداب البحث والمناظرة، للإمام عضد الدين الإيجي، وما إلى ذلك من سائر العلوم النقلية والعقلية، وظل الإمام الشوكاني هكذا ينتقل بين العلماء، يتلقى عليهم، ويستفيد منهم، حتى صار إماما يشار إليه بالبنان، ورأسا يرحل إليه، فقصده طلاب العلم والمعرفة للأخذ عنه، من اليمن والهند، وغيرهما حتى طار صيته في جميع البلاد، وانتفع بعلمه كثير من الناس، وقد تأثر الإمام الشوكاني بشخصيات كثيرة من العمالقة الذين كانوا قبله منهم من بلده اليمن، وأشهرهم العلامة محمد بن إبراهيم الوزير، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير والعلامة الحسن بن مهدي المقبلي، والحسين أحمد الجلال ومنهم من غير بلده ولم يكونوا في عصره، وعلى رأسهم إمام الدنيا ابن حزم الأندلسي، وشيخ الإسلام ابن تيمية.

 

ولقد ذهب الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى إلى أن ترك الاجتهاد من القادر عليه كفر وشرك، لأنه تعطيل لكتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإحلال لقول صاحب المذهب محلهما، والإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في هذا يعبّر عن الروح الاجتهادية لدى الأئمة السابقين، وإن كان قد تشدد في الحكم على المقلد القادر على الاجتهاد بالشرك، فمثلا، نرى الإمام الغزالي يوجب الاجتهاد على القادرين عليه دون أن يُدينه بالشرك أو الكفر، إذا أصرّ على التقليد، لأن الذي وصل إلى درجة الاجتهاد غير عاجز، فلا يكون في معنى العاجز، فينبغي أن يطلب الحق بنفسه، فإنه يجوز الخطأ على العالم بوضع الاجتهاد في غير محله، كما أنه يجوز على المجتهد أيضا الذي نقلده أن يبادر بالحكم قبل استتمام الاجتهاد، والغفلة عن دليل قاطع، والعالم المقلد قادر على معرفة ما يعرفه إمامه الذي يقلده، ومن الممكن أن يتوصل بنفسه إلى ما يريده.

 

إما إلى درجة اليقين، وإما إلى الظن، فكيف يبني الأمر على عماية كالعميان، وهو بصير بنفسه؟ ويحمل على هؤلاء المقلدين الذين يبلغ بهم التعصب لإمامهم أن يعتقدوا فيه العصمة عن الخطأ في الأحكام، مع أن المجتهدين أنفسهم لا يدعون العصمة أو يعدون الحق وقفا عليهم، وكان من أبرز شيوخ الإمام الشوكاني هو العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي، وقد وصفه الشوكاني بأنه كان يقبل عليه إقبالا زائدا، ويعينه على الطلب بكتبه، وهو من أرشده إلى شرح المنتقى، وأنه تأثر به في تقوية حياته الروحية، وتكوينه الخلقي، وخاصة خلق التواضع، وقد سمع منه التنقيح في علوم الحديث، وأيضا الإمام الحافظ عبد القادر بن أحمد الكوكباني، وقد وصفه الشوكاني بأنه كان أبرز علماء عصره وأكثرهم إفادة، وذكر أنه لم يكن في اليمن له نظير، وأقر له بالتفرد في جميع العلم كل أحد وهو من تلاميذ الإمام ابن الأمير الصنعاني، وحامل لواء السنة بعده.

 

وقد قرأ عليه الشوكاني مختلف الفنون من حديث وتفسير ومصطلح وغيره، وقد سمع منه صحيح مسلم وسنن الترمذي وبعض موطأ مالك وبعض فتح الباري وبعض الشفاء، وأيضا من شيوخة هو العلامة محمد علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن أحمد بن عامر الشهيد، وقال عنه الشوكاني كان إماما في جميع العلوم، محققا لكل فن، ذا سكينة ووقار، قل أن يوجد له نظير، وهو شيخ الشوكاني في صحيح البخاري، حيث سمعه منه من أوله إلى آخره، وكما كان من شيوخة هو هادي بن حسين القارني وهو شيخ الشوكاني في القراءات والعربية، ثم أخذ عنه شرح المنتقى وغيره، وأيضا العلامة أحمد بن محمد الحرازي وقد لازمه الشوكاني ثلاث عشرة سنة وبه انتفع في الفقه، وكما تتلمذ علي الإمام الشوكاني عدد كبير من العلماء من مذاهب مختلفة، قد يصل أو يتجاوز عددهم المائة تلميذ، منهم ابنه القاضي أحمد بن محمد الشوكاني.

 

وعبد الله بن عيسى الكوكباني، إسماعيل بن أحمد الكبسي، ومحمد عابد السندي، ويحيى بن المطهر، محمد صديق حسن خان، محمد بن محمد زبارة، وكما له مؤلفات كثيرة تجاوزت مائة وأربعة عشر منها كتاب نيل الأوطار في الحديث، وفتح القدير في التفسير، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع، وكتاب إرشاد الفحول إلى إلى تحقيق الحق من علم الاصول، وابطال دعوى الإجماع في تحرم مطلق السماع، وشرح الصدور بتحريم رفع القبور، وإرشاد الثقات إلى إتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات، وتحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين، ورفع الباس عن حديث النفس والهم والوسواس، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، والسيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، والأدلة الرضية لمتن الدرر البهية في المسائل الفقهية، وإرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى