مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ناصح الدين إبن الحنبلي ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ناصح الدين إبن الحنبلي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وأيضا كان أعمامها عبد الكريم وأحمد وهما أبناء نجم كانا عالمان وفقيهان ومحدثان ومفتيان ومُناظران وكان أخيها سيف الدين يحيى بن عبد الرحمن مسندا ومحدث، وكذلك أيضا ابن أخيها شمس الدين يوسف بن يحيى كان محدث وعالم، ولا تعرف سنة ولادتها أو بداية حياتها، وقد عرفت بفضلها وعلمها وكرمها وتدينها، ووصفها الإمام ابن كثير الشيخة الصالحة العالمة وكانت فاضلة، كانت تعمل في خدمة ربيعة خاتون أخت صلاح الدين الأيوبي، وكانت ربيعة تحب أمة اللطيف بسبب علمها فلذا كانت تسمع لنصائحها وإرشاداتها وتعمل بكلامها، وبسبب أمة اللطيف قامت ربيعة بوقف مدرسة سفح قاسيون على الحنابلة فبنتها، ووقفتها على أبيها الناصح والحنابلة، وبسبب حب ربيعة لأمة اللطيف أغدقت عليها بالأموال فقامت أمة اللطيف ببناء الكثير من المدارس للحنابلة، منها مدرسة الحديث في دمشق، ومدرسة الصاحبة.

 

ومدرسة أخرى تقع شرق الرباط الناصري، وفي عام ستمائة وثلاث وأربعين من الهجرة، وتوفيت ربيعة فوقعت أمة اللطيف بالمصادرات، ولاقت شدائد كثيرة فحُبست بإحدى القلاع لمدة ثلاث سنين حتى عام ستمائة وست وأربعين من الهجرة، فأفرج عنها، وعندها تزوجها الملك الأيوبي الأشرف موسى بن إبراهيم حاكم حمص وتل باشر، فسافرت معه إلى حمص وتل باشر والرحبة، وأيضا قامت ببناء دار أخرى للحديث في دمشق قريبا من جامع الأفرم، واسمها واسم والدها منقوشان على أسكفة أحد أبواب الدار وكانت أمة اللطيف مؤلفة وكتبت الكثير من الكتب والتصانيف والمجموعات، ولم يُذكر من أسماء كتبها إلا كتابان فقط وهما كتاب التسديد في شهادة التوحيد، وكتاب بر الوالدين وقد توفيت في عام ستمائة وخمس وثلاثين من الهجرة، بدمشق، ودُفنت في تربة بني الشيرازي التي دفن بها أجدادها التي تقع قريبا من دار الحديث.

 

وعندما توفيت تركت من الإرث ذخائر وجواهر تقارب قيمتها ستمائة ألف درهم فضي والكثير من الأوقاف والأملاك، أما عمرها فلم يستطع أحد من المؤرخين تحديده تماما لجهلهم بتاريخ مولدها، وكثير من العلماء يخافون على أنفسهم إذا دخلوا قصور السلاطين إذ لا يأمنون على أنفسهم من الافتتان بالدنيا وزخرفها، أو السير في ركاب السلاطين وأهوائهم، وجعل العلم في خدمة السلاطين، وليس تبصيرهم وإرشادهم وتنويرهم وهدايتهم، هذا إلى جانب أنهم قد ينالهم الأذى من الحكام والسلاطين إذا كان رأيهم مخالفا لما يريده هؤلاء الحكام والسلاطين وقد يدخلون في خدمة أحد السلاطين وتقبل عليهم الدنيا، فإذا ذهب هذا السلطان وخلفه غيره قد ينقم على هؤلاء الذين كانوا في خدمة من سبقه، فيُنزل بهم أنواع التنكيل والبطش والتشريد، لكن من العلماء من يرى أن يكون في حاشية الحكام والسلاطين حتى يكون بطانة خير.

 

فيوجه السلاطين والحكام إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات، ونشر العدل بين الرعية، ومن هذا الصنف الأخير العالمة أمة اللطيف بنت الناصح عبد الرحمن بن نجم الحنبلي، التي عاشت في كنف الدولة الأيوبية، سليلة بيت العلم، وهكذا حدث بعد موت ربيعة خاتون لاقت أمة اللطيف الشدائد والأهوال والمصائب إذ تم حبسها ومصادرة أموالها، والمدارس العلمية التي أوقفتها، وظلت محبوسة ثلاث سنين بقلعة دمشق، وحاول كثيرون التوسط لدى حكام دمشق من أجل الإفراج عن أمة اللطيف، فقال سبط ابن الجوزي ودخلت مع نواب الصالح في قضيتها، وبالغت في أمرها، فأطلقت من الحبس، وتزوجت بالأشرف ابن صاحب حمص، وقد أخرجها الله عزيزة من محنتها تلك؛ إذ تزوجها الملك الأشرف ملك حمص والرحبة، والذي حارب التتار، وهزمهم، فنبل قدره وتحدث الناس بشجاعته، وكان موصوفا بالحزم والدهاء.

 

ويُعد من الكرماء الأغنياء المترفين، وهو آخر من ملك من أسرته، وتركت دمشق، ورحلت مع زوجها إلى الرحبة وتل باشر، وعاشت هناك حتى وافاها الأجل، وأجمع المؤرخون على أن لها تصانيف ومجاميع وتآليف، لكن أحدا منهم لم يذكر اسما واحدا من تلك المصنفات، أو في أي فرع من فروع العلم، رغم أن بعض المؤرخين عاصروها مثل سبط ابن الجوزي، وعاشت أمة اللطيف سنوات معدودة في ظل زوجها بالرحبة، ووافتها المنية في سنة ثلاث وخمسين وستمائة غريبة عن الأهل والعشائر، ويبدو أنها بعد زواجها زادت ثروتها من جديد إذ بعد وفاتها ظهر لها بدمشق من المال والذخائر والجواهر واليواقيت ما يساوي ستمائة ألف درهم على ما قيل، غير الأوقاف والأملاك، ومع هذا كانت فاضلة، صالحة، ديّنة، عفيفة، وقال ناصح الدين المعروف بابن الحنبلي هو فقيه الحنابلة في زمانه، كما في ذيل طبقات الحنابلة.

 

أن اجتماع الرجال بالنساء في مجلس في غير معروف محرم، وقال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله العامري في القرن السادس في كتابه أحكام النظر أنه اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب فقد كفر، واستحق القتل بردته، وإذ اعتقد تحريمه وفعله، وأقر عليه ورضي به فقد فسق، لا يسمع له قول، ولا تقبل له شهادة، وقال الإمام النووي وهو من مدينة نوى بالشام، وهو عُمدة الشافعية، من البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان من إيقاد الشمع بجبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها، ويستصحبون الشمع من بلدانهم لذلك، ويعتنون به، وهذه ضلالة فاحشة جمعوا فيها أنواعا من القبائح إضاعة المال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى