مقال

الدكروري يكتب عليكم بالصالحات المؤمنات القانتات ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عليكم بالصالحات المؤمنات القانتات ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إلا أن المذموم منها تلك التي تتأجج في صدر صاحبتها نارا تشعل جيوش الظنون والشكوك كل آن فتحيل حياة الأسرة جحيما لا يطاق، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قالوا يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال “إن فيهم لغيرة شديدة” ولذلك لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها، إلا بعد أن دعا أن يُذهب الله غيرتها، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت لما توفي أبو سلمة، استرجعت وقلت اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منه، ثم رجعت إلى نفسي، قلت من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أدبغ إهابا لي، فغسلت يدي من القرظ، وهو ما يدبغ به، وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته، قلت يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيّ، ولكني امرأة فيّ غيرة شديدة.

 

فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت فيّ السن، وأنا ذات عيال، فقال صلى الله عليه وسلم “أما ما ذكرت من غيرتك فسوف يذهبها الله عز وجل عنك” وفي رواية النسائي، فأدعو الله عز وجل فيذهب غيرتك وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي” قالت فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها، فقالت أم سلمة فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الغيرة المعتدلة التي لا تتسلط على صاحبتها، فهي مقبولة بل وقد تستملح أحيانا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه” وفي رواية السيدة عائشة رضي الله عنها، فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين وفي رواية أم سلمة، وفي أخرى صفية، بصحفة فيها طعام، فضربت التي هو في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت.

 

فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول “غارت أمكم، غارت أمكم” ثم حبس الخادم، حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفعها إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المسكورة في بيت التي كسرتها، وأما الغيرة المحمودة، فهي التي تكون إذا ما ارتكبت محارم الله تعالي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرّم الله عليه” وأن لا تكون مخطوبة غيره، فقد نهى الشارع الحكيم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، لما في ذلك من توريث العداوات، وإثارة الإحن، وتأجيج الأحقاد بين الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا”

 

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له” وعنه أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يخطب أحدكم على خِطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك” وقال الإمام مالك وتفسير قوله صلى الله عليه وسلم “لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه” أن يخطب الرجل المرأة، فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم، وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة، فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه، أن لا يخطبها أحد” وقد استدل بعض الفقهاء على أن تحريم خطبة الرجل على خطبة أخيه مشروط بحصول التراضي مع الأول وتسمية المهر.

 

بحديث فاطمة بنت قيس، حيث قالت ” فلما حللت، أي من العدة ذكرت له صلى الله عليه وسلم أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية صعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فكرهته، ثم قال انكحي أسامة، فنكحته، وحجتهم أن، النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر خطبة بعضهم على بعض، بل خطبها لأسامة، أما إذا خطب الأول، وأجيب طلبه، فقد أجمع الفقهاء على تحريم الخطبة على خطبته، فإذا خطب الثاني ولم يدخل وجب فسخ الخطبة، فإن دخل بها صح زواجه، وكان آثما، أما إذا كان الأول فاسقا، فقد أجاز بعض الفقهاء خطبة الرجل على خطبته، وقالوا لا تحرم، ولو ركنت إليه، لأن درء المفسدة المترتبة على وقوعها في عصمة الفاسق مقدّم على المفنعة المتوقعة من زواجها به ونقل الحافظ في الفتح عن ابن القاسم صاحب مالك قوله إن الخاطب الأول إذا كان فاسقا، جاز للعفيف أن يخطب على خطبته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى