مقال

الدكروري يكتب عن التجارة ما بين الحلال والحرام ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التجارة ما بين الحلال والحرام ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

وقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” إياكم وكثرة الحلف فى البيع فإنه ينفق ثم يمحق” رواه مسلم، ولقد فطن القانون الجنائي عندنا في شقه المتعلق بالزجر على الغش في البضائع، وشدد العقوبة على البائعين الغششة المحتالين، فنص فى الفصل الأول على عقوبتهم بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، وهكذا يجب على الإنسان المؤمن أن يتحرى الحلال في المعاملة، والصدق في البيع والشراء، لقول الله تعالى” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم” فالأرزاق مقسومة، والآجال مضروبة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم”إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه” إن روح القدس نفث في روعى، إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته”

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم”إني لأرجو أن ألقى ربى وليس أحد يطلبنى بمظلمة فى دم ولا مال” رواه ابن ماجة، ولأن تؤتى إيمانا يسددك، خير من تؤتى مالا يشغلك، فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يؤتى المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتى الإيمان إلا من أحب، فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان” وقد سألت امرأة السيدة عائشة رضي الله عنها، فقالت “يا أم المؤمنين كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم، أى بعتها له بثمانى مائة إلى أجل، ثم اشتريتها منه بستمائة، فنقدته الستمائة، وكتبت عليه ثمانمائة” فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها “بئس والله ما اشتريت، وبئس والله ما اشترى، أخبرى زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب” فقالت المرأة للسيدة عائشة رضى الله عنها “أرأيت إن أخذت رأس مالي، ورددت عليه الفضل؟

 

فقالت لها ” إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم” فهكذا البيوع التي يتعاطاها الناس في حياتهم، من البيوع والمعاملات المحرمة، التي رأينا بعض الناس يتساهلون فيها، دون أن يفطنوا إلى موقف الشرع منها، مع أن التجار مطالبون بالحيطة الشديدة في كسبهم، وكثرة التصدق، حتى تسلم أرزاقهم مما قد يشوبها من الحرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة” رواه ابن ماجة، ولا يخفى عليكم أن أخطر موضوع فى الدين بعد الإيمان بالله عز وجل هو الحلال والحرام، لأنك بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، بعد أن تستقر حقائق الإيمان في نفس المؤمن، وهو إيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، وبعد أن سعى الإنسان إلى أداء العبادات من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، ليس هناك موضوع على الإطلاق أخطر ولا أهم إلى نفس المؤمن من موضوع الحلال والحرام.

 

لأن الإنسان إذا اقترف الحرام كان الحرام حجابا بينه وبين الله، فإن العلوم الدينية علوم كثيرة جدا، فهى علوم أدوات، وعلوم فرعية، وعلوم فقهية، فما من موضوع على الإطلاق أخطر في حياة المؤمن بعد إيمانه بالله من موضوع الحلال و الحرام، وقبل أن نمضي في الحديث عن الحلال والحرام في حياة الإنسان الشخصية، في طعامه وشرابه، وفي علاقاته الاجتماعية، في زواجه، في كسبه للمال، في إنفاقه للمال، في سفره، في حله وفي ترحاله، قبل أن نمضي في هذه الموضوعات، لابد من أن نتحدث عن حقائق أساسيه وقواعد كلية في الحلال والحرام، وإن من أول هذه القواعد الكلية في الحلال والحرام أن الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل أن كل شيء مباح لماذا؟ وما الدليل؟ لقول الله عز وجل فى سورة البقرة ” هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا” ولقول الله عز وجل كما جاء فى سورة الجاثية “وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه”

 

ولقول الله عز وجل كما جاء فى سورة لقمان ” ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” فإن أى قضية سكت عنها الدين قضية مباحة، فالأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح، إذن النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة، وهو الأصل في الأشياء الإباحة لا تحريم إلا بنص صريح صحيح، فأى قضية سكت عنها الدين إذن هي مباحة، فأصل القاعدة أن كل شيء مباح في الأصل، ما لم يرد في تحريمه نص صحيح صريح، ولو اعتمدت على نص غير صحيح هذا الشيء يبقى على أصل القاعدة مباحا، ولو اعتمدت على نص صحيح، لكن دلالته ليست قطعية، يرجع الحكم إلى أن هذا الشيء مباح وفق القاعدة الأصلية الأولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى