مقال

الدكروري يكتب عن منزلة العهد من الإيمان ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن منزلة العهد من الإيمان ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وأيضا نذكر وفاء يزيد بن السكن في غزوة أحد فقد قال صلى الله عليه وسلم ” من يردهم عني وله الجنة ” فتقدم يزيد بن السكن ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى سقط شهيدا، فقال صلى الله عليه وسلم ” ضعوا خده على قدمي، ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فقال “اللهم إني أشهدك أن يزيد بن السكن قد وفى ” رواه مسلم، ويقول عبدالله بن أبي الحمساء، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بيعة وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت ثم تذكرت بعد ثلاث فجئت فإذا هو في مكانه فقال يا فتى لقد شققت عليّ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك ” رواه أبو داود، فإن الوفاء صفة أساسية في بناء المجتمع المسلم وقاعدة تقوم عليها حياة الفرد وبناء الجماعة، فإذا فقد فقدت الاستقامة والثقة وضعفت الأواصر وتهاوت العلاقات، وصدق الله عندما قال تعالى” بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين ”

 

والوفاء بالعهد هو قيام المسلم بما التزم به سواء كان قولا أم كتابة، فإذا أبرم المسلم عقدا فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهدا فيجب أن يلتزم به فالعهد لا بد من الوفاء به كما أن اليمين لا بد من البر بها ومناط الوفاء والبر أن يتعلق الأمر بالحق والخير، وإلا فلا عهد في عصيان ولا يمين في مأثم، فلا عهد إلا بمعروف، والوفاء بالعهد من صفات الأنبياء والمرسلين، وقال الله تعالى في الخليل إبراهيم عليه السلام “وإبراهيم الذى وفى” ويقول الإمام الطبري وفى جميع شرائع الإسلام، وجميع ما أمر به من الطاعة، نعم، فقد وفى حين ابتلاه الله بكلمات من الأمر الإلهي فأتمهن، وفى حين قدم ولده إسماعيل قربانا تنفيذا لأمر الله، وفى حينما ألقي في النار فصبر ابتغاء مرضاة الله، وقد كان صلى الله عليه وسلم أوفى الأوفياء بالعهود فها هو يأمر عليّ بن أبي طالب أن يبِيت في فراشه ليلة الهجرة ليرد الأمانات إلى أهلها، أوليس هو القائل صلى الله عليه وسلم.

 

“أدى الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك” رواه أبو داود والترمذي، ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في الوفاء من المثال أجمله، ومن النصيب أكمله، ومن رد الجميل أحسنه وأعدله ودلائل وفاء محمد صلى الله عليه وسلم لا تنتهي عند المواقف والأحداث التي كان يفي فيها بما التزمه، فقد شهد له أعداؤه بأنه يفي بالعهود ولا يغدر، فحين لقي هرقل أبا سفيان، وكان أبو سفيان على عداوته لمحمد صلى الله عليه وسلم، سأل هرقل أبا سفيان عن محمد صلى الله عليه وسلم عددا من الأسئلة، كان مما سأله فيه قوله فهل يغدر؟ قال لا، وعلى خلق الوفاء سار الصحابة رضي الله عنهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قبض قال أبو بكر للصحابة من كان له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دين فليأتني، قال جابر، فأتيته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا”

 

فلم يجئ مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فحثا لي أبو بكر من مال البحرين لما جاءه حثية فعددتها، فإذا هي خمسمائة، فقال لي “خذ مثليها “متفق عليه، وإن العرب في الجاهلية كانوا يتحلون بشرف الالتزام بالكلمة والوفاء بالعهد حتى ولو فيه رقابهم وما أكثر القصص التي تدل على هذه المكرمة في نفوس الجاهليين، وفي لقاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع عمرو بن معدي كرب رضي الله عنهما عظة وعبرة، قال عمرو سأحدثك يا أمير المؤمنين عن أحيل رجل لقيته، وعن أشجع رجل، وعن أجبن رجل “كنت في الجاهلية في الصحراء، أركض فرسي، علني أجد رجلا أقتله، إذا أنا بسواد بعيد، فركضت فرسي إليه فرأيت فرسا مربوطا، وصاحبه في الخلاء، فصحت فيه خذ حذرك فإنني قاتلك، ثم نهض متقدما نحوي، فقال من أنت؟ قلت عمرو بن معدي كرب، قال أبا ثور، ما أنصفتني أنت راكب وأنا راجل.

 

قال أنت آمن حتى تركب، فلما وصل إلى فرسه جلس واحتبى، قلت خذ حذرك فإنني قاتلك، قال ألم تقل لي إنك آمن حتى تركب؟ قال بلى، قال فلست براكب، فانصرفت عنه، فهذا أحيل رجل يا أمير المؤمنين، فانظر إلى حيلة الرجل علم أن عمرو بن معدي كرب أعطاه عهدا بأنه لن يقتله مادام راجلا لم يركب، فاحتبى الرجل ورفض الركوب ووفى عمرو بعهده وتركه، ولقد ضرب عوف بن النعمان الشيباني أروع الأمثلة في الوفاء بالوعد حيث قال في الجاهلية الجهلاء “لأن أموت عطشا، أحب إليّ من أكون مخلاف الموعدة” فإن الوفاء كلمة حب وصفاء في حروفها الإخلاص والنقاء أجمع على تقديرها العقلاء وإذا كان قد وُجد مثل هذا الوفاء في الجاهلية الظلماء، فكيف إذن الحال بعد نزول شريعة السماء ولذلك لن تجد بعد ذلك من يقول أوفى من محمد سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام عدد نجومِ السماء وعدد قطر الماء، خاتم المرسلين وإمام الأتقياء، فالزموا الوفاء بالعهود والعقود، وإياكم ونقض العهد وخلف الوعد،

 

فقد جعل الله ناقض العهد بمنزلة الحيوانات فقال تعالى ” إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم فى كل مرة وهم لا يتقون” وقال الشيخ السعدي إن هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه هم شر الدواب عند الله، فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها، وإن هناك أنواع وصور وأشكال للوفاء بالعهود بين العبد وربه وبين العبد ورسوله وبين المسلم وغير المسلم وبين المسلمين بعضهم البعض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى