مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العريف ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن العريف ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إذا سمعته النفس طاب نعيمها وزال عن القلب المعنى غرامه ودارت علينا خمرة كوثرية فخمارُنا خمر الهوى ومدامُه” وعندما سئل ابن العريف عن ما سر هذا العشق الإلهي لدى الصوفيين ? فقال إنه الإيمان فسلم أمرك لله والله كفيل بك إنما ينبغي أن يكون التسليم كاملا ثم يروي ابن العريف هذه الحكاية عن رابعة العدوية رضي الله عنها، فيقول نزل ذات يوم الجراد على زرع لها فلما جاءها الخبر وخرجت لترى الجراد قد ركبه رفعت طرفها نحو السماء وقالت إلهي رزقي تكلفت به فإن شئت فأطعم زرعي أعداءك وإن شئت فأطعم أولياءك، فطار الجراد عنه جميعه” وحكي أن رابعة العدوية كانت مجتازة في نفر في أصحابها لبعض حاجاتها فضرب رأسها ركن جدار فرضه فسال الدم على وجهها وهي لا تلتفت إلى ذلك ولا تكترث به فقال لها بعض أصحابها أما تحسين بما جرى عليك في هذا الدم الذي قد خضب وجهك وثوبك.

 

فالتفتت كالمستطرقة لذلك والمستيقظة، ثم أقبلت عليهم كالمعتذرة في غفلتها فقالت يا إخوتي التذاذي بموافقة مراده فيما جرى شغلني عن الإحساس بما ترون من مشاهد حالي” ويقول الحزن فيه نسيان المنة والبقاء في رمد الطمع، والفرح هو صديقنا الدائم، وقيل أوحى الله إلى داود عليه السلام “بذكري تلذذ وبمعرفتي فافتخر” وفي ذلك أقول يرنحني إليك الوجد حتى أميل من اليمين إلى الشمال ويأخذني لذكركم اهتزاز كما نشط البعير في العقال” ويقول ابن العريف في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم، بل كان مدحي له عليه أفضل الصلاة والسلام متنفسا وجدانيا وفضاء روحيا، فيقول ” شدوا الرحال وقد نالوا المنى وكلهم بأليم الشوق باحا نسيم قبر المصطفى لهم روح إذا سكروا في ذكره فاحا ويقول أيضا “وحقك يا محمد إن قلبي يحبك قربة نحو الإله جرت أمواج حبك في فؤادي فهام القلب في طيب المياه”

 

وعندما سئل ابن العريف عن لماذا تركت المرية ورحلت إلى مراكش? قال إنه الحقد والحسد من قاضي المرية المعروف بابن الأسود فإنه أراد أن يتخلص مني، فكتب للخليفة في مراكش وهو علي بن يوسف بن تاشفين وكان المسؤول عن الأندلس في ذلك الوقت، وأوغر صدره ضدي واتهمني بأشياء وأمور غير صحيحة مما جعل الخليفة يتوجس خوفا مني ويأمر بإحضاري إلى مراكش وأشار القاضي ابن الأسود إلى عامل الخليفة على المرية أن أكبل بالقيود وأزجر في أحد القوارب إلى سبتة، وبعد ذلك علم الخليفة الحقيقة وأمر بفك قيودي واستقبلني في مراكش واستمع إليّ وأكرمني وقال لي اطلب ما شئت يا ابن العريف وأنا أعطيه لك، فقلت لا أطلب إلا إطلاق سراحي فأذهب حيث شئت، فقال لك هذا يا ابن العريف، وأما عن حكاية السمّ الذي دس له في الطعام، فيقول كان هو ابن الأسود ليس الخليفة أبدا.

 

بل إن الخليفة حينما علم بما فعله ابن الأسود بحقي وكيف دس السم لي أقسم قائلا لأعذبنه ولأسمنه كما فعل بابن العريف وقد فعل، وهكذا لقي ابن الأسود جزاءه، ويقول ابن العربي في قصيدة عن الشوق لمن عاش ومات في حبه لله عز وجل، يقول إن لم أمت شوقا إليك فإنني سأموت مشتاقا أو أموت مشوقا ألبستني ثوب الغنى فعشقته من ذا رأى قلبي ضنى معشوقا لا قر قلبي في مقر جوانحي إن لم يطر قلبي إليك خفوقا وبرئت من عيني إذا هي لم تدع للدمع في مجرى الدموع طريقا بحلاوة الإخلاص جُد لي بالرضا إني رأيتك بالعباد رفيقا” وتوفي أبو العباس بن العريف بمراكش ليلة الجمعة الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة خمسمائة وست وثلاثين من الهجرة، وفي جنازة مهيبة شيعت مراكش الجثمان الطاهر لابن العريف وتم دفنه في الجامع القديم في وسط مراكش في روض القاضي عياض موسى بن حماد الصنهاجي، واحتفل الناس بجنازته وندم السلطان على ما كان منه في جانبه فظهرت له كرامات رحمه الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى