مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن القفطي

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن القفطي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام ابن القفطي هو جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي هو مؤرخ وطبيب عربي، وكان القفطي من الكتاب المشهورين، وكان أبوه القاضي الأشرف كاتبا أيضا، وقد كان جمال الدين بارعا في مجموعة من العلوم كاللغة، والنحو، والفقه، والحديث، وعلوم القرآن، والأصول، والمنطق، والنجوم، والهندسة، والتاريخ، والجرح والتعديل، وولد الإمام ابن القفطي في قفط من صعيد مصر وسكن حلب، سنة خمسمائة وثماني وستين من الهجرة، وكان أبوه من الكتاب المشهورين، وكانت أمه امرأة صالحة حسنة العبادة فصيحة اللهجة، وهو عربي صريح النسب، كريم النبعة، ينتمي إلى قوم من شيبان، نزحوا من الكوفة برفقة القبائل العربية التي قصدت مصر بعد الفتح الإسلامي، وقد وصف ابن جبير بلدة قفط التي ينتسب إليها جمال الدين وذلك أثناء زيارة الرحالة الأندلسي الشهير لمصر، وقال في كتاب رحلة ابن جبير وهي مدينة بشرقي النيل.

 

وعلى مقدار ثلاثة أميال من شطه، وهي من المدن المذكورة في الصعيد حُسنا ونظافة بنيان وإتقان وضع، وتولى الإمام ابن القفطي منصب قضائي في أيام الملك الظاهر، ثم الوزارة في أيام الملك العزيز سنة ستمائة وثلاث وثلاثين من الهجرة، وأطلق عليه لقب الوزير الأكرم وكان صدرا محتشما، جماعا للكتب،لا يحب من الدنيا سواها، ولم يكن له دار ولا زوجة، وتوفي بحلب، وهو أبو الحسن علي بن يوسف القفطي ويلقب بجمال الدين ويعرف بالقاضي الأكرم، وولد القفطي في بيت علم وكان أبوه يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد الشيباني من علماء القوم ووجوههم ويلقب بالقاضي الاشرف، وهو عربي من بني شيبان، وكان كاتبا ناصع البيان متصرفا في ضروب الإنشاء، وكانت أمه بدوية من عرب قضاعة، فصيحة مطبوعة تحفظ الشعر وترويه، ونشأ في وتلقى دروسه الأولى في قفط ثم ذهب إلى القاهرة وتعلم على محمد بن محمد بن بنان الانباري.

 

فأخذ منه جميع روياته وسمع منه الصحاح في اللغة للجواهري وذهب للأسكندرية ولقى عالمها الحافظ أبا الطاهر أحمد بن محمد السلفي الملقب بصدر الدين، ودرس عليه وحدث عنه كثيرا في كتابه الإنباه، وعاد إلى قفط والتقى بصالح بن عادي العذري الأنماطي النحوي القفطي وكان من من نبغ في النحو وتتبع مسائله والإحاطة بأصوله فلزمه وحمل عنه علما كثيرا، وخالط علماء قفط وأخذ عنهم وأفادوا منه وناظر أدباءها وساجل شعراءها وأصبح من المعروفين بالعلم وهو دون الثالثة والعشرين من عمره، وفي صدر أيامه في حلب الشهباء صاحب القفطي ميمون القصري صديق والده، ورفيقه في الرحلة إلى المدينة السورية الشمالية، وأحد الولاة الذين صار لهم نصيب من السلطان، فلازمه بنية الصداقة والمودة، لا بُغية العمل والخدمة وتحقيق المآرب والمصالح، وفي هذه المدة اجتمع القفطي بجماعة من علماء المدينة والقادمين إليها من غيرها.

 

واستفاد بمحاضراتهم، وتفقّه بمناظراتهم، ثم عقد جمال الدين العزم على الشروع في شراء الكتب واقتنائها وجلبها مهما كلف الثمن، ومن بعد ذلك استطارت شهرته في الآفاق، وتوافد عليه الوراقون والناسخون وباعة الكتب، كما قصد داره العلماء والشعراء وذوي الفضل، ومن بين أبرز تلك الشخصيات البارزة التي قصدته هو ياقوت الحموي صاحب كتاب معجم الأدباء، فآواه جمال الدين إلى ظله وأنزله في داره، وأفرد له مكانا في مجلسه، وعرف فيه ياقوت الفضل والعلم، فأذاع بفضله في كل محفل، وروى عنه فيما صنف من الكتب، وأهدى إلى خزانته كتابه المفضل معجم البلدان، ومن تصانيفه، هو كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء، وإنباه الرواة على أنباه النحاة ونم طبع ثلاثة مجلدات منه، والدر الثمين في أخبار المتيمين، وأخبار مصر، وهو في ستة أجزاء، وتاريخ اليمن، وبقية تاريخ السلجوقية، وأخبار آل مرداس، وأخبار المصنفين وما صنفوه.

 

وإصلاح خلل الصحاح، للجوهري، ونهزة الخاطر في الأدب، وكتاب المحمدين من الشعراء وقد رتبه على الآباء وبلغ به محمد بن سعيد، وكتب عن الحسن بن الهيثم جمال الدين القفطي، علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى، وقد ألف في حياته قرابة الثلاثين كتابا لم يبقي منها إلا كتابه هذا الذي اختصره ابن مكتوم القيسي، ثم شمس الدين الذهبي، وجمال الدين القفطي تعلم بمصر، وسمع منه الصحاح للجوهري، وأجازه في رواياته، ثم سافر إلى الإسكندرية، ومنها إلى قفط مسقط رأسه، ثم عاد إلى القاهرة، وسافر منها إلى بيت المقدس مع أبيه، ولم يعد لمصر ثانية، وكان عالما وأديبا، طويل الباع، غزير المادة، شارك في كل نواحي العلم والمعرفة، وقال عنه ابن شاكر الكتبي صاحب كتاب فوات الوفيات “إن القفطي جمع من الكتب ما لا يوصف، ولا يحب من الدنيا سواها، وقد أوصى بها للناصر صاحب حلب، وكانت تساوي خمسين ألف دينار”

 

وقد ذكر جمال الدين القفطي قائلا في أول كتابه هذا قد عزمت بتأييد الله على ذكر من اشتهر ذكره من الحكماء من كل قبيلة وأمة، قديمها وحديثها، إلى زماني، وما حفظ عنه من قول انفرد به، أو كتاب صنفه، أو حكمة علية ابتدعها، ونسبت إليه، فإني رأيت ذلك من الأمور التي جهلت والتواريخ التي هجرت، وفي مطالعة هذا اعتبار بمن مضى، وذكر من خلف، وهو اعتبار أرجو به الثواب لي ولقارئه إن شاء الله تعالى، وقد قفيته ليسهل تناوله، والله الموفق”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى