مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الزركلي ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الزركلي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولقد ألغت الحكومة الفرنسية قرار الإعدام على الزركلي فرجع إلى بلده سورية، وأنشأ المطبعة العربية في مصر حيث طبع فيها بعض كتبه وكتبا أخرى، وأصدر في القدس مع رفيقين له جريدة الحياة اليومية، إلا أن الحكومة الإنجليزية عطلتها فأنشأ جريدة يومية أخرى في يافا، واختير عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة ألف وتسعمائة وثلاثين ميلادي، وكما عينه الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود سنة ألف وتسعمائة وأربع وثلاثون ميلادي، مستشارا للوكالة ثم المفوضية العربية السعودية بمصر، كما تم تعيينه مندوبا عن السعودية في مداولات إنشاء جامعة الدول العربية، ثم كان من الموقعين على ميثاقها وقد مثل الأمير فيصل آل سعود في عدة مؤتمرات دولية، وشارك في الكثير من المؤتمرات الأدبية والاجتماعية، وفي عام ألف وتسعمائة وست وأربعين ميلادي تم تعيينه وزيرا للخارجية في الحكومة السعودية متناوبا مع الشيخ يوسف ياسين.

 

وكذلك متناوبا معه العمل في جامعة الدول العربية، واختير في نفس العام عضوا في مجمع اللغة العربية بمصر، وفي عام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين ميلادي، تم تعيينه وزيرا مفوضا ومندوبا دائما للسعودية لدى جامعة الدول العربية، وهناك باشر بطبع مؤلفه الأعلام، ومن عام ألف وتسعمائة وسبع وخمسين ميلادي وحتى عام ألف وتسعمائة وثلاث وستين ميلادي عين سفيرا ومندوبا بالمرتبة الممتازة حسب التصنيف الرسمي للحكومة السعودية في المغرب كما انتخب في المجمع العلمي العراقي سنة ألف وتسعمائة وستين ميلادي، وكما منحته الحكومة السعودية بسبب مرض ألمّ به إجازة للراحة والتداوي غير محدودة، فأقام في بيروت ودمشق يزورها بين الحين والآخر وعكف على إنجاز كتاب في سيرة عاهل الجزيرة الأول الملك عبد العزيز آل سعود وأخذ يقوم من حين لآخر برحلات إضافة لدمشق إلى موطنه الثاني السعودية والقاهرة وتركيا وإيطاليا وسويسرا.

 

حيث قام برحلات إلى الخارج يذكر أنها أفادته كثيرا، فسافر إلى إنجلترا سنة ألف وتسعمائة وست وأربعين ميلادي، ومنها إلى فرنسا، ممثلا للحكومة السعودية في اجتماعات المؤتمر الطبي الأول في باريس، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة ألف وتسعمائة وسبع وأربعين ميلادي، بمهمة رسمية غير سياسية، حضر خلالها بعض اجتماعات هيئة الأمم المتحدة، ثم إلى أثينا العاصمة اليونانية سنة ألف وتسعمائة وأربع وخمسين ميلاد، بصفة وزير مفوض ومندوب فوق العادة وجعل طريق عودته منها إلى إستنابول لزيارة بعض مكتباتها، ثم سافر إلى تونس سنة ألف وتسعمائة وخمس وخمسين ميلادي، مندوبا لحضور مؤتمر أقامه الحزب الدستوري فيها، ومنها إلى إيطاليا لزيارة أهم مكتباتها، فكان شاعرا مجيدا، ومؤرخا ثقة، ويكفيه أنه صاحب الأعلام، وكما قام خير الدين الزركلي في مصر بدور مميز في تنفيذ المهمات القومية السياسية والإعلامية.

 

وذلك من خلال اللقاءات والاجتماعات وكتابة المقالات ونشر الأشعار القومية والوطنية، وتناول الزركلي المستعمرين وأذنابهم بنبرة حادة خشيها الفرنسيون في سوريا كثيرا، فحكموا عليه غيابيا بالإعدام وبحجز أملاكه، وقد تلقى الزركلي النبأ برباطة جأش وقال نذروا دمي حنقا علي وفاتهم، أن الشقي بما لقيت سعيد، الله شاء لي الحياة وحاولوا ما لم يشأ ولحكمه التأييد، وعندما انطلقت الثورة السورية عام ألف وتسعمائة وخمس وعشرين ميلادي انطلقت ثورة الزركلي الشعرية بكل لهيبها وروحيتها العربية، فأخذ ينظم القصائد ويرسلها إلى دمشق إما منشورة على صفحات الجرائد السورية والمصرية، وإما بوسائل النقل الأخرى، فأصبحت أبيات قصائده الوطنية على ألسنة الناس يتغنون بها في شوارع المدن السورية، وكانت ردود الفعل الفرنسية أقوى من ردود فعلها عام ألف وتسعمائة وعشرين ميلادي، فأذاعت حكما عليه ثانيا غيابيا بالإعدام.

 

وطالبت الحكومة المصرية بإسكاته أو طرده من مصر غير أن الزركلي لم يكترث وظل يرسل قصائده الوطنية من القاهرة سرا، شاحذا همم العرب حتى لا يسكتوا على الاستعمار ولا يتوانى أحدهم عن النضال، فيقول تأهبوا لقراع الطامعين بكم ولا تغركم الآلاء والنعم، وكما بنى الزركلي علاقات حميمة مع الكتاب والشعراء والمفكرين في مصر، من منطلق أهمية الكلمة التحضيرية في تعزيز الشعور الوطني والقومي في نفوس الجماهير العربية التي تعيش الهم القومي بكل جوانبه من هؤلاء الشاعر أحمد شوقي الذي ألقى قصيدته في حفل أقيم في القاهرة عام ألف وتسعمائة وست وعشرين ميلادي، لإعانة المتضررين في سوريا حين قامت وانطلقت الثورة السورية الثورة ضد المستعمر الفرنسي والتي مطلعها، سلام من صبا بردى أرقّ ودمع لا يكفكف يا دمشق، ويشخص الزركلي صورة الدأب العلمي المنتج في كتابه الأعلام الذي جمع فيه فأوعى.

 

فكان بحق أيسر وأشمل معجم عربي مختصر في تاريخ الرجال فكان الزركلي في حياته مثالا للثائر والشاعر والباحث، ومن مؤلفاته هو كتاب الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، حيث يعد من أوفى المصادر وأدقها في تاريخ الملك عبد العزيز وتاريخ المملكة العربية السعودية في عهده، وكتاب الأعلام للزركلي، وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات ويعتبر أعظم كتاب عربي تم تأليفه في مجال التراجم في العصر الحديث، وقضى الزركلي في تأليفه قرابة الستين عاما، وتمتاز تراجمه ببساطة الأسلوب اللغوي وسلامته، والدقة في الكتابة والإحالة إلى مراجع الترجمة، وكتاب ما رأيت وما سمعت، سجل فيه أحداث رحلته من دمشق إلى فلسطين فمصر فالحجاز، الجزء الأول من ديوان أشعاره، وفيه بعض ما نظم من شعر إلى سنة صدوره ألف وتسعمائة وخمس وعشرين ميلادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى