مقال

الدكروري يكتب عن الإنسان وفتن الدنيا ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإنسان وفتن الدنيا ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

إن إيمان العبد لا يكمل إِلا بتمني الخير لغيره من المسلمين، وما أعظم أن يكون المؤمن دليلا على فعل الخير، ليحظى بذلك الجزاء الوافر، وأنفع ما يقدمه المرء للناس هو إرشادهم وتعليمهم وبذل النصح لهم، ودلالتهم على فعل الخيرات، وحثهم على استثمار الأوقات، وتشجيعهم على اغتنام القربات، وأن يسأل الله عز وجل الثبات على الدين وأن يدعوه جل وعلا أن يجعله ممن يلزم طاعته وتقواه، وأن يستعيذ الإنسان بالله تعالي أن يرده على عقبيه فيترك الخير وينقطع عنه، ويفعل الشر وتميل إليه نفسه، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال ولا تأمن لرجل أن يكون على خير فيرجع إِلى شر فيموت بشر، ولا تيئس من رجل يكون على شر فيرجع إلى خير، فيموت بخير، ولهذا يجب أن نحاسب أنفسنا، فيجب أن نحاسب أنفسنا على التفريط في جنب الله تعالي وندعو ربنا أن يثبتنا على فعل الخير حتى الممات، وتأمل في قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة.

 

“وما تفعلوا من خير يعلمه الله” فهي تبعث في نفس العبد راحة وفي قلبه طمأنينة، ذلك أن المحسن إلى الخلق المخلص في ذلك لا ينتظر تقديرا ولا ثناء من الخلق، فإنه متى فعل الخير وأيقن بأن ربه يعلمه علما يثيب عليه هان عليه ما يجده من جحود نكران بعض الناس، للجميل الذى أسداه والمعروف الذى صنعه، فاعلم يا باغي الخير أن مفهوم الخير واسع وليس محصورا، فهو اسم شامل لكل ما ينتفع به المرء عاجلا أو آجلا، إِنها أيام وليالى إعتاق الرقاب وقبول المتاب ومضاعفة الحسنات، ورفعة الدرجات، فهلموا وأروا الله من أنفسكم خيرا في مواسم الخيرات، ولا تفرطوا في أوقاتها، فالعاقل لا يزهد في اكتساب الأعمال الصالحات، ولا يسوف ولا يتأخر في اغتنام القربات بل يلزم اليقظة ويتدارك ما فات، وعلى المسلم أن يتحرى الخيرات ويستكثر منها حتى يعتاد إليها، وتصير له سجية في النفس وعادة في الطبع.

 

فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال عودوا أنفسكم الخير، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين” والمسلم مأمور بأن يطلب الخير في دهره كله، لكنه مطلوب منه أن يجد ويعزم على استغلال الأيام الفاضلة، وإن الابتلاء هو تمحيص للعبد، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم في دعائه “ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس” فالابتلاء غسل للقلب وللمنهج، وغسل للطريق من القاذورات التي تعلق به، إما شهرة وإما سمعة وإما رياء لا يسلم منها العبد، فيقول رسول الله صلي الله عليه وسلم “عجبا لأمر المسلم إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته نعماء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن” وإن الله تعالي يبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه، فيحب الله عز وجل أن يسمع تضرع العبد إليه سبحانه وتعالى.

 

فهل فكرت قبل أن تطرق الأبواب، وقبل أن تستغيث بالناس، وقبل أن تلجأ إليهم أن تفر إلى الرب الغفور الرحيم، أن تلجأ إلى ذي الجلال والإكرام، قيل البلاء يستخرج الدعاء، فتجد الرجل لا يذكر ربه، لا يدعو الله، لا يقوم الليل، لا يقرأ القرآن، لا يتصدق، لا يفعل شيئا، فإذا نزل البلاء استخرج هذا كله، فدمعت عينه، ورفع يديه، خشع قلبه، سكنت نفسه، وتاب إلى الله، فمَن يستطيع أن يدفع كل يوم مقابل نعمة مفاصل جسمه صدقات مالية بعددها البالغ ثلاثمائة وستين مفصلا؟ ولكن رحمات الله وبركاته وكرمه على عباده جعلت فعل الخيرات هو من الصدقات، وجعل صلاة ركعتي الضحى تعدل هذا المطلوب الكبير من الصدقات، وسدادا للدين الواقع عليك في صبيحة كل يوم، وما سداد هذا الدين إلا من فعل الخيرات الذي تؤجر عليه، فافعلوا الخير مهما دق في أعينكم، ومهما قل أو صغر عندكم، فإنه عند الكريم سبحانه وتعالى مضاعف كبير.

 

يجزيك ربك بأحسن منه، وإياك ثم إياك أن يُلبّس عليك الشيطان، وأن تلبس عليك نفسك الأمارة بأن هذا العمل صغير، وهذا الخير قليل لا داعي لعمله لأنه لا أجر كبيرا عليه، بل افعل الخير مهما قَلّ، كما ينصحك بذلك نبيك صلى الله عليه وسلم، واترك كتابة الأجر وتقدير الفضل لربك الكريم سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح “من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلوّه حتى تكون مثل الجبل” ومن فعل الخيرات أيضا، هو ذهابك الى المسجد، ومن فعل الخيرات، الإحسان إلى الإنسان، والإحسان حتى إلى الحيوان، فإن الله لا يضع أجر من أحسن عملا، فقد تقدم خيرا وإحسانا إلى إنسان أو حيوان فيكون سببا في أن يحلّ عليك رضوان الله، وقد يعمل المؤمن خيرا يسيرا سهلا لا يظن أنه سيبلغ به المنازل العليا، ولكنه يبلغ به بفضل الله وكرمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى