مقال

الدكروري يكتب عن إنتهاك محارم الله “جزء 1”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إنتهاك محارم الله “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن النفس إذا اقتربت من مواطن الشهوات ومراتع المغريات فإنه يستهويها البريق، والأولى أن يبتعد بها عن مواطن الخلل وأماكن الزلل، ألا وإن لكل ملك حمى، فماذا تفيد هذه العبارة، وما هو القصد منها؟ وهو أنه كما أنه لكل ملك من ملوك الدنيا حمى لا يجرؤ أحد على القرب منه فضلا عن انتهاكه أو الوقوع فيه، فإن أجلّ مَن يجب أن يخاف منه، وأعظم من يجب احترام محارمه، هو ملك الملوك عز وجل فإن له حمى ممنوعا محظورا، وهو محارمه، وقد حذر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من الاقتراب من محارمه، أو انتهاك حدوده، فقال تعالى فى سورة البقرة ” تلك حدود الله فلا تفربوها” وقال تعالى أيضا فى سورة البقرة ” تلك جدود الله فلا تعتدوها” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه” رواه البخارى ومسلم، وإن أمر الله سبحانه وتعالى للعباد ونهيهم.

 

هو عين حظهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة إن سمعوا له وأطاعوا ومصدر أمره سبحانه وتعالى ونهيه رحمته الواسعة، وبره وجوده، وإحسانه وإنعامه، فله الحمد والشكر على ما شرعه وأمر به، وليس لأحد من الخلق أن يحل أو يحرم من عند نفسه، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة النحل” ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع قليل ولهم عذاب أليم” فما من شك أن الله تبارك وتعالى هو الخالق لعباده، وهو الرازق لهم، والجهة التي تخلق وترزق هي التى تشرّع فتحل وتحرم، وتأمر وتنهى، وقد أباح الله تعالى للناس جميعا أن يأكلوا مما رزقهم الله في الأرض حلالا طيبا إلا ما شرع لهم حرمته لمضرته، وحذرهم من عدوهم الشيطان الذي غرّ أباهم آدم فأوقعه فيما حرم الله فقال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة ” يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولا تتيعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين”

 

وينادى الله سبحانه المؤمنين بالصفة التي تربطهم به سبحانه، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع، وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام، ويذكرهم بما رزقهم، فهو وحده الرازق، الذي أحل لهم الطيبات التي تنفعهم وحرم عليهم الخبائث التي تضرهم فيقول تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ” فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأكرمه وهيأ له ما يحتاجه من الطعام والشراب وأحل له أشياء، وحرم عليه أشياء، وأمره بأشياء، ونهاه عن أشياء رحمة به وإحسانا إليه وحماية له، فأمره الله تعالى بعبادته وطاعته وكل ما يصلحه وينفعه، وأحل للمؤمنين الأكل من الطيبات ليستعينوا بها على طاعة الله تعالى، وحرم عليهم الخبائث لئلا تضرهم، ونهاهم عن الشرك به ومعصيته وكل ما يضرهم ويفسدهم، فالله تعالى أباح للمؤمنين الطيبات لأنهم ينتفعون بها، ويشكرون الله عليها.

 

كما أمرهم ربهم بقوله عز وجل كما جاء فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون” فإن سلطة التشريع والتحليل والتحريم إنما هي لله الواحد القهار، الذى ملك السموات والأرض، وله خزائن السموات والأرض، أحل للناس ما فيه مصلحة، وحرم عليهم ما فيه مضرة، وإن الذى يملك حق التحليل والتحريم في هذا الكون هو الذي خلقه، وهو الله وحده لا شريك له، وليس ذلك لأحد من البشر، لا فرد، ولا طبقة، ولا أمة ولا سلطة، وكل جهة أخرى تحلل أو تحرم شيئا في حياة البشر فإنما تصدر أحكاما باطلة بطلانا أصليا، فليس لأحد غير الله أن يحلل أو يحرم في طعام أو شراب أو نكاح، ولا في لباس، ولا في حركة، ولا في عمل، ولا في عقد، إلا أن يستمد سلطانه من الله حسب شريعة الله عز وجل، وكل ما يشرعه البشر للبشر بغير سلطان من الله فهو من حكم الجاهلية، وهو اعتداء على حق الله في خلقه.

 

ومن ثم فهو باطل بطلانا أصليا، فما أعظم جرم هؤلاء الذين يشرعون للناس من دون الله تعالى فيقول سبحانه كما جاء فى سورة الشورى ” أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ” وإن مال المسلم لا يجوز أكله إلا بطيب خاطر منه، وظلمه وغبنه وقهره، مما يخل بأمنه وأمن مجتمعه، ولهذا جعل الله عقوبة من خالف ذلك، واكل مال غيره بالباطل من أعظم العقوبات فالذي يأكل مال غيره بغير حق مشروع لا يستجاب دعاؤه، لو دعا الله الليل والنهار ، فصلته مقطوعة مع خالقه سبحانه، وأكل أموال الغير بالباطل من الظلم المعرض لدعوة مستجابة، فعن سعيد بن زيد أن امرأة خاصمته في بعض داره فقال “دعوها اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها” فقال الراوي فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول أصابتني دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى