مقال

الدكروري يكتب عن المقصد الشرعي من شعيرة الحج ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المقصد الشرعي من شعيرة الحج ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحج لاشك هو عبادة عظيمة ولابد فيها من إخلاص القصد والنية لله جل جلاله، ويسعى المرء بعد ذلك في أن يُشهد نفسه وإخوانه المسلمين المنافع فيما ذكرنا من أمور الدين، وفيما يترتب عليه المغفرة للحاج ورجوعه مغفورا له ذنبه، وهذه كلمات ربما عند كثيرين منكم تفصيلات للواقع العملي كيف ننتقل وننتشر بالدعوة في الحج ولكن هي توجيه لابد أن نسعى إلى إنفاذه لأجل أن نحظى بالأجر العظيم وأن نكون ممن دعا إلى الله جل جلاله، ولا تنسى أبدا قول الله جل جلاله ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين” وكما يجب علينا التوبة الصادقة، والتوبة مضمونها وجوهرها هو ممارسة عملية اعتراف وتقويم، ومراجعة وتطوير، أو تغيير، وبدون هذه العملية المركبة لا يمكن تعديل السلوك البشري، ولا يمكن تصور التقدم في العلاقة مع الله تعالى ومن ثم التقدم في العلاقة مع الناس والمجتمع.

 

دون أن يسبق ذلك عملية التوبة المركبة هذه، كتاجر أو رجل أعمال فقد مصداقيته في السوق نتيجة العديد من الممارسات العملية الخاطئة، وقد زادت عليه الديون وكَثرت في حقه الشكاوى، وتلوثت سمعته العملية، ثم أقبل موسم استثمار جيد، فهل نتصور أن هذا التاجر يمكنه أن يستغل هذا الموسم ويربح فيه دون أن يتصالح أولا مع خصومه، ويجدول ديونه، ويجدد ثقة العملاء فيه، عن طريق مواجهة الأخطاء وتصحيح الممارسات السابقة؟ كذلك العبد في رحلته الإيمانية مع الله تعالى، لا بد له أن يستهل مواسم الخيرات بإجراء عملية التوبة بمستوياتها المختلفة من الاعتراف والندم، والعزم والإصلاح والتبيان، مصداقا لقوله تعالى فى سورة البقرة ” إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم” وكذلك يقوم أيضا بعملية مراجعة النفس وتقويم الذات، والإصلاح والتبيان، وهذه هى عبادة التوبة، وهي في ذاتها عملية تربية.

 

تهدف إلى تطوير النفس وتغييرها إلى الأفضل والأقرب لله تعالى، والأكثر خيرية ونفعا للمجتمع والأمة، وتستهدف الإصلاح العام، وتحقق وفقا لذلك منظومة العبادة الإيجابية، فمواسم الخيرات تتعاقب على ذواتنا وأمتنا مرات عديدة، وربما شحذنا خلالها من هممنا وطاقاتنا في ممارسة العديد من العبادات الروحية والجسدية من صيام وصلوات، وذكر وصدقة مما هو مطلوب لذاته، وجميل في مجمله دون أن يكون لهذه العبادات الأثر المنشود في إصلاح النفس أو الرقي بالمجتمع والأمة، وكأننا عندما نقيم الصلاة نغفل عن قوله تعالى كما جاء فى سورة العنكبوت ” اتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون” فالغاية دائما من العبادة هو تحقيق التقوى التي هي تهذيب للنفس وإصلاح للمجتمع كما في الحديث الشريف “رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر”

 

أو كما قال “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه” فالعبادة في الإسلام هي منظومة إصلاحية، ومناسبات الخير وأيام البركة التي منها العشر من ذي الحجة هي بمثابة دورات تدريبية مكَثفة من أجل تطوير الذات، وإن الأصل في الأشياء هو الإباحة ما لم يرد نص بتحريمها وخاصة في وقت الحرج، ولاسيما أن الرسول صلي الله عليه وسلم وضع لنا قاعدة للتيسير في الحج وهي” افعل ولا حرج” لا حرج، لا حرج تيسيرا لا تعسيرا، فهو اليسر والسهولة ورفع المشقة سمة من سمات دين الإسلام، وتظهر صور ذلك بينة في الحج، افعل ولا حرج هي البعد الإنساني للحج والسمة الخاصة بالدين السمح ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما وقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، قال فما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال” افعل ولا حرج” متفق عليه.

 

وكذلك الرخصة لذوي الأعذار كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، والإذن للضعفة من النساء والصبيان بالإفاضة من مزدلفة ليلا ورمي جمرة العقبة قبل وقتها، وغير ذلك من شواهد التيسير والبعد عن التعسير على الحجاج، بل إن التخيير عند الأمر فيه من التيسير والتسهيل الشيء الكبير، فأنت مخير في حجك بين التمتع والقران والإفراد، ومخير بين الحلق والتقصير، ثم أنت مخير في التعجل أو التأخر نهاية الحج، ولا شك أن هذا درس عظيم لكل داعية ومربى ومعلم وكل مسلم في اتباع التيسير والتخفيف لا التعسير والعنت والمشقة على الآخرين عملا بقوله صلى الله عليه وسلم “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى