مقال

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وثبت الخليفة العباسي، وابتدأ عصر آل سلجوق في بغداد، وشهدت تلك المرحلة أيضًا، خصوصا خلال القرن العاشر، هجرة قبائل كردية من جوار بحر قزوين للاستقرار في العراق وشمال بلاد الشام، وازدهار هجرة القبائل أدى إلى تعاسة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن تكاثر الحروب الداخلية والخارجية، أحد أمثلة ذلك الدولة العقيلية، وكذلك الدولة المروانية؛ فكلتاهما ورثت الدولة الحمدانية بعد انهيارها عام تسعمائة وتسع وسبعين من الميلاد، وغلب الطابع العربي على الأولى، بينما الطابع الكردي على الثانية، وقد اقتتلا طويلا للسيطرة على الجزيرة الفراتية، كما قادت الدولة العقيلية حروبا عدة ضد الدولة البويهية في بغداد، أما الحروب الخارجية فتتمثل بغارات الإمبراطورية البيزنطية على حلب وأنطاكية، واحتلالهما قسطا من الزمن، نتيجة تشقق الوضع الداخلي، ووفق أكثر النظريات انتشارا فإن السلاجقة هم جمهرة من القبائل التركية الرحل المحاربة.

 

كانت تستقر في الصين، وانتقلت منها إلى بخارى حيث اعتنقت الإسلام في عهد مؤسسها سلجوق، ثم استطاعت تحت زعامة طغرل بك السيطرة التدريجية على أملاك الدولة الغزنوية، ثم الدخول إلى بغداد بناء على طلب الخليفة، الذي عين طغرل بك سلطانا، وخطب باسمه في الخامس عشر من شهر ديسمبر، سنة ألف وخمس وخمسين ميلادي، الموافق الثاني ولعشرين من شهر رمضان، سنة ربعمائة وسبع وأربعين من الهجرة، ولقبه بملك المشرق والمغرب، وزوجه ابنته، وإثر وفاته عام ألف وثلاث وستين ميلادي، كان طغرل بك قد حقق استقرارا سياسيا واقتصاديا في الأوضاع، وقد خلفه ألب أرسلان الذي امتد حكمه حتى القدس، واستطاع عقب انتصاره في معركة ملاذكرد تأسيس دولة سلجوقية في الأناضول، هي الأولى من نوعها، غير أنه قتل في إحدى معاركه عام ألف وأربع وستين ميلادي، وتلاه ابنه جلال الدولة ملكشاه، الذي شهدت سلطنته وفاة الخليفة القائم بأمر الله.

 

بعد خلافة استمرت خمسة وأربعين عاما، تعكس الاستقرار وتحسن الأوضاع المعيشية، وبويع المقتدي بأمر الله بالخلافة وقد اهتم ملكشاه بالعلوم والفنون، وشيد في بغداد مرصدا فلكيا، ومسجدا كبيرا دعي جامع السلطان، وقد برز في عهده أيضا عمر الخيام، كما ثار القرامطة في البصرة في عهده عدة مرات، وبوفاته عام ألف واثنين وتسعين ميلادي، أخذت الدولة السلجوقية بفقدان قوتها إذ تفرقت إلى عدة دول مستقلة في بلاد الشام والعراق وبلاد فارس وغيرها، بل تحولت الساحة إلى دسائس، وتحالفات بين الملوك السلاجقة ضد بعضهم البعض، بهدف توسيع إمارتهم، ولا شك أن تكلفة هذه الحروب الداخلية المستمرة، لم تؤثر فقط على الاستقرار الاجتماعي في البلاد فقد أثرت على الوضع الاقتصادي أيضا بسبب كلفتها الباهظة، ما سهل تحقيق انتصار الحملة الصليبية الأولى عام ألف وثماني وتسعين ميلادي، وكان المستظهر بالله حينها يشغل منصب الخليفة.

 

منذ عام ألف وأربع وتسعين ميلادي، واستطاعت الحملة الصليبية الأولى تأسيس أربعة ممالك لاتينية في المشرق هي إمارة الرها، وإمارة أنطاكية، وإمارة طرابلس، ومملكة بيت المقدس، التي كانت تحت سلطة الخلافة الفاطمية مجددا منذ عام ألف وست وتسعين ميلادي، ولم يستطع السلاجقة ردع الصليبيين عن ساحل بلاد الشام، بيد أنهم صدوا تقدمهم نحو أنقرة وقلب الأناضول، كما أوقفوا تقدمهم تجاه حلب والعراق عموما، أما العراق وخلافته فكانا منشغلين بالحروب الداخلية، والثورات التي يقودها القرامطة، فلم يتم إعناء مقاومة الصليبيين أو ردعهم أية أهمية تذكر، وقد نقل أنه في أعقاب سقوط القدس عام ألف وتسع وتسعين ميلادي، زار وفد من أهالي المدينة الناجين الخليفة المستظهر بالله، فاعتذر منهم مبديا عواطفه، ثم عاد وأرسل عام ألف ومائة وإحدي عشر ميلادي، جيشا صغير الحجم بقيادة مودود بعد مضايقة الصليبيين لحلب.

 

وفي أواخر عهد المستظهر بالله استقرت الأوضاع للسلطان محمد السلجوقي، غير أن وفاته عام ألف ومائة وثماني عشر ميلادي، فجّرت الوضع مجددا بين وريثه محمود السلجوقي وأخيه داود وبعض أعمامه، وإثر وفاة الخليفة المستظهر بالله في أغسطس ألف ومائة وثماني عشر ميلادي، أصبح المسترشد بالله خليفة، وفي خلافته ظهر عماد الدين زنكي والي الموصل، والذي وسع أملاكه ضاما حلب وحمص، وتلاه ابنه نور الدين زنكي الذي ضم دمشق ومصر وخلال نمو الدولة الزنكية كانت حروب السلاجقة الداخلية لاتزال مستمرة، فانتصر مسعود السلجوقي على ابن أخيه محمود، وقتل الخليفة المسترشد عام ألف ومائة وخمس وثلاثين ميلادي، أثناء محاربة مسعود مدافعا عن محمود، وأصبح الراشد بالله خليفة من بعده، غير أن السلطان مسعود السلجوقي سرعان ما خلعه، فهرب الخليفة إلى أصفهان حيث قتل عام ألف ومائة وست وثلاثين ميلادي، وأصبح المقتفي لأمر الله خليفة من بعده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى