مقال

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 10″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

في السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة من عام ستمائة وثمانين من الهجرة، وصل الخبر بقدوم منكوتمر بن هولاكو بجيشه إلى عنتاب، فخرج إليه السلطان وعسكر في حمص، واستقدم سنقر الأشقر وقواته، ودخل التتار حماة فخربوا فيها، ثم وصلوا إلى حمص حيث التقى الجمعان في حمص في الرابع عشر من شهر رجب سنة ستمائة وثمانين من الهجرة، وقد اضطربت ميمنة المسلمين في البداية، ثم الميسرة، وثبت السلطان ومن معه ثباتا عظيما، ماحمل الأمراء والقادة على الانقضاض على التتار وكسروهم كسرة عظيمة، وجرحوا ملكهم، وقتلوا منهم الكثير، وكانت مقتلة تفوق الوصف، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين انتصارا مظفرا، ودخل السلطان المنصور دمشق في أبهة النصر في الثاني والعشرين من شهر رجب سنة ستمائة وثمانين من الهجرة، وبين يديه الأسرى، وحاملين معهم رؤوس قتلى المغول على الرماح.

 

وقد عزم السلطان المنصور على استكمال رحلة الجهاد ضد الصليبيين التي بدأها أسلافه، ففي سنة ستمائة وأربع وثمانين من الهجرة، فتح قلعة المرقب وبانياس وفي سنة ستمائة وثماني ثمانين من الهجرة، فتح طرابلس وهي لبنان، بعد حصارها واستعمال المنجنيق وغنم جيشه غنائم عظيمة، وكما عزم السلطان على المسير إلى عكا إلا أن الأجل لم يمهله، فكان شرف فتحها لولده الذي خلفه، السلطان البطل الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون، وتوفي السلطان قلاوون بقلعة الجبل بالقاهرة في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ستمائة وتسع ثمانين من الهجرة، وفيها وتم تغسيله وتكفينه، ثم حُمل إلى تربته الواقعة ضمن ما يعرف بمجموعة السلطان المنصور قلاوون في منطقة بين القصرين وهو شارع المعز، فدُفن فيها، ولا تزال هذه المجموعة العمرانية شاهدة على عظمة هذا السلطان وازدهار عهده، وقد خلف السلطان المنصور ولده السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون.

 

الذي استكمل رحلة الجهاد وفتح فتوحا عظيمة، ومن بعده أخوه الناصر محمد بن قلاوون وظل الحكم في ولد قلاوون نحو قرن من الزمان، ويوجد لة مسجد كبير في شارع المعز لبوابة الفتوح، ويقسم المؤرخون الدولة المملوكية إلى فرعين أو دولتين هما دولة المماليك البحرية ودولة المماليك البرجية، وقد حكم المماليك البحرية من سنة ستمائة وثماني واربعين من الهجرة، إلى سنة سبعمائة وأربع وثمانين من الهجرة، وكان أكثرهم من الترك والمغول، وحكم المماليك البرجية من سنة سبعمائة وأربع وثمانين من الهجرة، إلى سنة تسعمائة وثلاث وعشرين من الهجرة، وكانوا من الشركس والمماليك أصولهم رقيق محاربين، استقدمهم الخلفاء العباسيين الأوائل من تركستان والقوقاز وغيرها وجعلوهم حُراسا لهم وقادة لجيوش المسلمين، وقد ازداد نفوذ المماليك بمرور الزمن حتى أصبحوا يهيمنون على الخلافة وعلى مركز صناعة القرار، مستفيدين من ضعف الخلفاء وتراجع نفوذهم.

 

وحذا السلاطين والأمراء المسلمين حذو الخلافة في بغداد، فكان لكل منهم جماعة من المماليك الأشداء والكفوئين عسكريا، ومن هؤلاء السلاطين الأيوبيين الذين حكموا مصر والشام تحت الراية العباسية ولما مات آخر سلاطين بني أيوب، وهو الملك الصالح نجم الدين أيوب، سنة ستمائة وسبع وأربعين من الهجرة، كتمت زوجته شجر الدر نبأ موته إلى أن حضر ابنه توران شاه من الجزيرة الفراتية إلى القاهرة، وحاول توران شاه أن يقدم مماليكه الذين اصطحبهم معه من الجزيرة، فعينهم في مناصب الدولة، فما كان من المماليك القدماء في مصر إلا أن ائتمروا به وقتلوه، ثم نصبوا شجر الدر سلطانة عليهم في سنة ألف ومائتان وخمسين ميلادي، وهي أول امرأة تتولي شئون المسلمين، وظهر المماليك بِمظهر منقذي العالم الإسلامي من الضياع والزوال بعد سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية والخلافة الإسلامية في يد المغول بقيادة هولاكو خان، ومقتل آخر خلفاء بني العباس.

 

أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله، فقد سار المغول لغزو الشام وهددوا مصر بمصير مشابه لمصير بغداد كي لا تقوم للإسلام قائمة بعد ذلك، فأرسل سلطان المماليك سيف الدين قطز جيشا عرمرميا إلى فلسطين لصد التقدم المغولي وحماية قلب الديار الإسلامية، فهزم المسلمون المغول في معركة عين جالوت بشمال فلسطين، وردوهم على أعقابهم وقد ورث المماليك عن الأيوبيين تصميمهم على محاربة الصليبيين وإجلائهم عن المشرق، لذلك ما كادوا يفرغون من محاربة المغول حتى انصرفوا إلى محاربة الصليبيين، وكان الملك الظاهر بيبرس أول من تابع مسيرة الجهاد ضد الصليبيين، فهاجمهم بعد انتصاره على المغول، فصارت مدنهم وقلاعهم تسقط واحدة بعد الأخرى في يد المسلمين، فقد استعاد بيبرس الكرك وقيسارية وصفد ويافا وجُبيل وعرقة واستعاد المسلمون أنطاكية وزالت إمارتها الإفرنجية من الوجود وجاء السلطان سيف الدين قلاوون يكمل عمل سلفه بيبرس.

 

فاسترجع قلعة المرقب وطرابلس الشام والبترون وتوفي السلطان قلاوون وهو يهيء حملة لاسترجاع عكَا، فقام بهذه المهمة بعده ابنه الملك الأشرف صلاح الدين خليل واستولى على عكا وقد أثار سقوطها، وهي المرفأ الرئيسي لِلصليبيين، القلق والذعر الشديدين في نفوسهم، فجلوا عن المدن الأخرى الباقية في أيديهم، مثل صور وصيدا وبيروت، وركبوا البحر عائدين إلى بلادهم، لتنتهي بِذلك الحروب الصليبية بعد أن استمرت مائة وأربعا وتسعين سنة، وأعاد المماليك إحياء الخلافة العباسية في مصر بعد سقوط بغداد، لكنها كانت خلافة صورية هدف السلاطين المماليك إلى جعلها سندا لسلطنتهم ودعما روحيا لها يجعلها مهيبة الجانب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى