مقال

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 7″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وبدأ تساقط الشهداء في جيش المسلمين، كان قطز في هذه الأثناء في مكان عالي خلف الصفوف يراقب الوضع، ويوجه فرق الجيش لسد الثغرات، ولما رأى معاناة ميسرة الجيش دفع بقوة احتياطية لمساندتها، ولكن هذه القوة لم تغير في الأمر شيئا أمام بسالة وقوة ميمنة التتار، ثم دفع بقوة احتياطية أخرى، ولكن الموقف تأزم بشكل أكبر، عندها قرر قطز أن ينزل بنفسه لأرض المعركة، فرمى خوذته وأخذ يصرخ واإسلاماه واإسلاماه، واحتدم القتال في سهل عين جالوت، وكان فيه أن صوّب أحد التتار سهمه نحو قطز، فأخطأه وأصاب فرسه وقتل الفرس، واستمر القتال وقطز في أرض المعركة يقاتل، وبدأت الكفة تميل لصالح المسلمين، وارتد الضغط على التتار، وتقدم أمير من أمراء المماليك واسمه جمال الدين آقوش الشمسي واخترق صفوف التتار حتى وصل لكتبغا، ودار بينها قتال فتمكن آقوش من كتبغا وقتله، وبقتله قتلت العزيمة عند جيش التتار.

 

وأصبحوا يقاتلون ليفتحوا لأنفسهم طريقا في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب، واستطاعوا فتح ثغرة في المدخل الشمالي، وخرجت أعداد كبيرة منهم باتجاه الشمال، وخرج المسلمون في طلبهم، حتى وصل التتار الفارون إلى مدينة بيسان، وعندما وصل إليهم المسلمون، لم يجد التتار أمامهم إلا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم ويصطفوا من جديد، ودارت بين الطرفين معركة كبيرة قرب بيسان، وقاتل التتار فيها قتالا شديدا، وبدؤا يضغطون على المسلمين، ودارت الدائرة لهم، عندها كرر قطز ما فعله في عين جالوت وأخذ يصيح بالجند واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه، ثلاثا، كانت هذه الكلمات دفعة معنوية لجنود جيش المسلمين، وأقبل الجند على القتال وارتفعت راية الإسلام وهوت راية التتار، وبدأ جنود التتار في التساقط، وكانت نتيجة المعركة أن أبيد جيش التتار بأكمله، ولم يبقي على قيد الحياة من الجيش أحد، وكانت معركة عين جالوت.

 

المعركة الأولى التي يهزم فيها جيش المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان، وبعد الانتصار الذي حققه قطز وجيشه، أخذ قطز في التفكير في أمر التتار في الشام، فلا تزال هناك حاميات تتارية في دمشق وحمص وحلب وغيرها من مدن الشام، ومع ما أصاب جيش المسلمين من كثرة الشهداء وكثرة الجرحى، وما لقوه من عناء وتعب، قرر سيف الدين قطز السير إلى دمشق لتحريرها من سيطرة التتار، واستغلال فرصة انكسار جيش التتار وهزيمته الساحقة في سهل عين جالوت، وأراد سيف الدين قطز أن يستثمر انتصاره على جيش المغول في عين جالوت، في تهيئة انتصار جديد للمسلمين في دمشق على جيش التتار المحتمي فيها، فجيش التتار قتل بأكمله في المعركة، ولم ينقل أحد منهم الخبر إلى دمشق، فأردا قطز أن ينقل خبر النصر الكبير على المغول بنفسه، ليضعف من معنويات الحامية التتارية في دمشق، فيسهل عليه فتحها، قرر قطز أن يرسل رسالة إلى التتار.

 

يعلمهم فيها بهزيمة كتبغا وجيشه، وجاء فيها “أما النصر الذي شهد الضرب بصحته، والطعن بنصيحته، فهو أن التتار خذلهم الله، استطالوا على الأيام وخاضعوا بلاد الشام واستنجدوا بقبائلهم على الإسلام، وهذه عساكر الإسلام مستوطنة في مواطنها ما تزلزل لمؤمن قدم إلا وقدم إيمانه راسخة ولا تثبت لأحد حجة إلا وكانت الجمعة ناسخة ولا عقدت برجمة ناقوس إلا وحلها الآذان ولا نطق كتاب إلا وأخرسه القرآن، ولم تزل أخبار المسلمين تنتقل إلى الكفار، وأخبار الكفار تنتقل إلى المسلمين، إلى أن خلط الصباح فضته بذهب الأصيل، وصار اليوم كأمس ونسخت آية الليل بسورة الشمس، إلى أن تراءت العين بالعين واضرمت نار الحرب بين الفريقين، فلم تري إلا ضربا يجعل البرق نضوا ويترك في بطن كل من المشركين شلوا، وقتل من المشركين كل جبار عنيد، ذلك بما قدمت أيديهم “وما ربك بظلام للعبيد” ووصلت رسالة سيف الدين قطز إلى دمشق في اليوم السابع والعشرين.

 

أو الثامن والعشرين من شهر رمضان، وبهذه الرسالة علم المسلمون نبأ الانتصار فقاموا بثورة عارمة داخل دمشق، وأمسكوا بجنود التتار وقتلوا عددا منهم وأسروا عددا آخر وفر عدد آخر، وكان السبب الرئيسي لما حدث في دمشق هو انهيار معنويات التتار بعد سماعهم خبر هزيمة كتبغا في عين جالوت، ثم اتجه المسلمون في دمشق بعد أن انتهوا من أمر التتار للانتقام من النصارى الذين كانت لهم مواقف سيئة مع المسلمين أثناء سيطرة التتار على دمشق، وتجاوز بعض المسلمين الأمر إلى حرق الديار والكنائس، وإلى قتل البعض منهم، ونشط بعض المتحمسين للظلم الذي حل بالمسلمين وقرروا قتل اليهود الذين يعيشون في دمشق، واستدعى هذا الأمر تدخل العلماء والنهي عن هذا الفعل لأن اليهود لم يشتركوا مع النصارى في إيذاء المسلمين أيام حكم التتار، وكادت الفتنة أن تعم دمشق بأكملها، حتى أتى يوم الثلاثين من رمضان، عندما وصل سيف الدين قطز وجيش المسلمين دمشق بعد خمسة أيام من معركة عين جالوت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى