مقال

الدكروري يكتب عن الإيمان وسكرات الموت ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإيمان وسكرات الموت ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وحفظ الله يعني طاعته، وأولى الطاعات المحافظة على الصلوات، فمن حافظ عليها كانت سببا في حفظه من الأضرار والأخطار التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية من الحوادث والأمراض والمصائب المختلفة، وتطمئن بإدراك الحكمة في الخلق، والمبدأ والمصير، وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما شاء، مع الرضا بالابتلاء والصبر على البلاء، وتطمئن برحمته بالهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة، فيقول تعالي ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب” وذلك الاطمئنان بذكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشة الإ يمان قلوبهم، فاتصلت بالله، يعرفونها ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين الذين لايعرفونها، كما أنه سبب في السلامة من القلق الذي يشتكي منه كثير من الناس الذين قل ذكرهم لله سبحانه وتعالى وقصّروا في طاعته، ويبحثون عن علاج هذا الأمر بوسائل لا تغني عنهم شيئا.

 

وإن من أبواب الخير هو صلاة النوافل، وفي فضل صلاة النوافل أدلة كثيرة، وكذلك الصدقة، ومن عجز عن التصدق بماله، فلن يضيع منه الفضل والثواب، وكذلك صيام التطوع، وأيضا قضاء الحوائج، وإن هذه الايام مطايا ورواحل تنقلنا إلى الآخرة كل يوم يمر هي مرحلة تقدمك للآخرة وتباعدك من الدنيا حتى تنهي أيامك المعدودة المحدودة فما أقرب الزوال وما أسرع الانتقال فكونوا على أهبة الاستعداد واملؤوا خزائن أعمالكم وصحائف سعيكم بالأعمال الصالحة التي تثقل بها موازينكم فتكونوا يوم الوزن ممن ثقلته موازينه ويوم عرض الصحف ممن يعطى صحيفته بيمنه ويوم المرور على الصراط ممن يثبته الله وينجيه من السقوط ويوم ينقسم الناس إلى جنة ونار ممن يفوز بالجنة ويزحزح عن النار وذلك الفوز العظيم، والفضل الكبير، وعمر قلبك بالإيمان بالله والخوف والخشية من الله والمحبة لله والرجاء في الله والتوكل على الله عز وجل.

 

وقيل أنه لما احتضر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد أن ضربه ابن ملجم عليه لعنة الله، كان لا يقول إلا هذه الكلمة لا إله إلا الله، لا إله إلا الله أخلو بها وحدي، لا إله إلا الله يغفر بها ذنبي، لا إله إلا الله يجبر بها كسري، لا إله إلا الله يقبل بها عملي، لا إله إلا الله ألقى بها ربي، وهكذا كان يقول الإمام علي إلى أن لقيت روحه ربها جل وعلا، وكذلك أيضا لما حضرت الوفاة عمرو بن العاص صعد إليه ولده وقال له يا أبتي لقد كنت تتعجب ممن نزل به الموت ولا يستطيع أن يصف الموت، ولقد نزل الموت بك اليوم، فصف لي الموت يا أبتاه؟ فقال يا بني إن الأمر أكبر مما كنت أتوقع بكثير، إن أمر الموت أكبر من هذا بكثير، ولكنني سأصف لك شيئا منه، والله إنني لأحس الآن أن في جوفي شوكة عوسج، وأن على شفتي جبلا عظيما، وإن روحي كأنها تخرج من ثقب إبرة، وأن السماء قد أطبقت على الأرض وأنا بينهما، وهذا قليل من كثير ويكفيك في سكرات الموت وكربات الموت.

 

أن ترى ملك الموت، فلرؤية وجه ملك الموت أشد من آلاف الضربات بالسيوف، فانظروا فإن رؤية وجه ملك الموت أشد من ضربة بسيف، فيا أيها المسلمون، يا أيها العاصون، يا أيها المذنبون، يا أيها الغافلون، يا من تمرحون وراء الفتن، ويا من تمرحون وراء الهوى، ويا من تمرحون وراء الشهوات، ويا من تعصون الله ليل نهار انتبهوا فإن الموت قريب، وإن الموت يأتي بغتة، وبعد الموت ستعرضون على الله فردا فردا، وستسألون أمام الله حرفا حرفا، وهذه هي المرحلة الثانية، يوم أن تنتقل بالموت من عالم الحياة إلى عالم الفناء، ومن القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب، وكذلك أيضا لما حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل عليه عبد الله بن سلام ليزوره في هذا الحصار الشديد، فقال عثمان يا عبد الله بن سلام والله لقد كنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في الليلة الماضية.

 

فلقد جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة وقال لي “يا عثمان حصروك؟ قلت نعم يا رسول الله، قال يا عثمان منعوا عنك الماء؟ قلت نعم يا رسول الله، فقال عثمان فأدلى لي النبي صلي الله عليه وسلم دلوا فشربت من دلو النبي صلى الله عليه وسلم حتى إني أجد برد هذا الماء على ثديي وعلى كتفي الساعة، ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عثمان إن شئت أن ينصرك الله نصرك عليهم، وإن شئت أن تفطر عندنا اليوم فلك ما شئت، فقال عثمان بل أفطر معك الليلة يا رسول الله، وأترك هذا العالم عالم الشقاء وعالم الهم والغم وأفطر معك اليوم يا رسول الله فقتل من يومها، واحتضر عثمان في يومها، وما كان يتكلم إلا بهذه الكلمة اللهم اجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قالها عثمان ثلاثا، ثم لقيت روحه ربها تبارك وتعالى، ولنا الوقفة مع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهو في سكرات الموت فهذا هو فاروق الأمة، وأعدل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى