مقال

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فضلا عن محاولة تأريخ الأحداث، وحل المساجلات الدينية من خلال الشعر، وعلى الرغم من أن الشعر العباسي كان، بالدرجة الأولى، شعرا عربيا، برز العديد من الشعراء الذين شدوا بلغات أخرى، خصوصا الفارسية والتركية، ولاقَوا دعم الأمراء والسلاطين في مناطقهم من أمثال هؤلاء جلال الدين الرومي المولود عام ألف ومائتان وسبع ميلادي، وهو الذي كتب بالفارسية، وأسس الطريقة المولوية، وفي ديوانه المثنوي خمسة وعشرون ألف بيت شعر، وهناك منصور أبو القاسم الفردوسي المولود عام تسعمائة وأربعون ميلادي، وهو مؤلف ملحمة الشاهنامه، ومن الشعراء الذين كتبوا بالتركية يونس الإمري، وكما كان الأدب أحد المجالات الثقافية البارزة في العصر العباسي، وقد تطورت العلوم الأدبية بشكل كبير، فظهر فن السجع وفن المقامات، وهي قصص خيالية لبطل أوحد، عادة ما تكون ذات مغاز، أو تهدف للمطالبة بإصلاحات معينة وكان أول من صاغها بديع الزمان الهمذاني.

 

وقد غلب عليها التكلف الأدبي، وأحد أشكالها المقطع الآتي في وصف ظلم أحد القضاة للهمذاني “وأقسم لو أن اليتيم وقع في أنياب الأسود، بل الحيّات السود، لكانت سلامته أحسن من سلامته إذا وقع في غيابات هذا القاضي وأقاربه” وكما انتشر فن الروايات والقصص ذات العبر ككتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، والذي مرر من خلاله نقدا لاذعا لولاة الأمر على ألسنة حوار جرى في مملكة الحيوان، ورغم أن النص الأصلي قادم من الأدب الفارسي زاد عليه ابن المقفع، ومن خلال ترجمته لعب دورا بارزا في المجتمع العباسي، ومنه تحول إلى أدب عالمي ولابن المقفع كتابات أخرى أدبية، تعكس الحالة الثقافية السائدة في عصره كمؤلفه الأدب الصغير، في حين نحا الجاحظ في مؤلفه البخلاء إلى سرد قصص قصيرة وفكاهية حول نوادر البخلاء، وقد نال كتابه نجاحا عارما في أوساط المجتمع العباسي، ومن خصائص الأدب العباسي أنها تتميز بفصاحة اللغة المستعملة من ناحية.

 

وتنوع الأساليب الأدبية من ناحية أخرى فخلال المراحل الأولى من عهد الدولة كان الأدب يستعمل جملا قصيرة وذات معاني واضحة، مبتعدا عن التكلف الأدبي أو فنون الخطابة من زخرفة لفظية، أو ترادف وتضاد وسجع وسواه ومع ازدهار الدولة وظهور العدد الوفير من الأدباء والشعراء والقصصة، أخذ تجميل النصوص والعناية بمفرادتها يصبح أمرا شائعا، بل تحول في واقع الأمر إلى منافسة بين الأدباء، وسجالات في بعض الأحيان كالسجال الذي نشأ أواخر القرن العاشر بين بديع الزمان الهمذاني والخوارزمي، وأحيانا كانت السجالات تتخذ مواضيع معينة كالنقاش حول أفضلية الديك أو الطاووس، أو منافع الكلب ومساوئه، أو إبداء الرأي في السجالات الدينية القائمة، والصراعات بين المذاهب والمدارس المختلفة، حتى شبه البعض تلك المرحلة بالنقاشات السفسطائية ومال عدد من النقاد السالفين والمعاصرين، إلى اعتبار التكلف الأدبي، رغم جماليته، نوعا من أنواع الضعف.

 

حيث يغلب الشكل على المعنى، وتحد الجمل بالقيود اللفظية والزخارف البديعية وقد تراجع الأدب العباسي بدرجة كبيرة، خلال العصر المملوكي وزمن الخلافة العباسية في القاهرة، وإلى جانب الأدب المكتوب انتشر الأدب المحكي، ومنه قصص ألف ليلة وليلة، التي يندرج تحت إطارها جميع القصص الخيالية التي دونت بالعربية، ومنها السندباد البحري وعلي بابا وعلاء الدين والمصباح السحري، وغيرها من القصص التي كانت تروى في جلسات السمر بشكل شفهي، وتتناقل على ألسنة الحكواتية، حتى تم تدوينها في القرن العاشر لمحاولة ضبط النص، ورغم انتشارها في أوساط العامة كانت نصوصها مزخرفة بمجملات العبارات، ومطعمة بالأشعار المحلية، ويمكن أن يدرج تحت هذا التصنيف الأدبي أيضا قصص الزير سالم وعنترة بن شداد، وهي، على الرغم من كونها قصصا تاريخية حقيقية، قد وُسعت وزُخرفت لتناسب الذوق العام وعندما ترجمت، إلى اللغات الأوروبية عام ألف وسبعمائة وأربع ميلادي.

 

قصص ألف ليلة وليلة للمرة الأولى، لاقت نجاحا منقطع النظير، وقد شرحها وعلق عليها أكثر من كاتب، واستمرت دور النشر في أوروبا بإعادة طباعتها حتى عام ألف وثماني مائة وثماني وثلاثين ميلادي، ما دفع الناقدة رنا قباني إلى اعتبار قصص ألف ليلة وليلة وأدبها ثورة القرن الأدبي في أوروبا، بل إن هذه القصص قد أثرت على الكتاب الأوروبيين أنفسهم فظهر على سبيل المثال التشابه بين رواية كليوماد في فرنسا، وقصة الحصان المسحور العربية، ورواية بيير دو بروفانس المطابقة لقصة قمر الزمان المندرجة ضمن أدب ألف ليلة وليلة أيضا، ويرى عدد من النقاد أن مجنون ليلى، التي تندرج ضمن الأدب العباسي، وتعكس علاقة الغرام بين قيس وليلى، قد اعتمد عليها ويليام شكسبير في مسرحيته روميو وجولييت، فعلى الرغم من أن المسعودي لم يجد لهذه القصص أية أهمية سوى التسلية الهابطة، وذلك في كتابه مروج الذهب، وكذلك ابن حاتم حين أشار إلى انتفاء قيمتها الأدبية، نجد أن الأدب العباسي قد بلغ ذروة نجاحه عن طريقها، سواء في الشرق أم في الغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى