مقال

الدكروري يكتب عن خير البقاع في الأرض “جزء 5” بقلم /

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن خير البقاع في الأرض “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ومواظبتهم وحرصهم على حضور الجماعات في المساجد مستمرة على مدى الزمان، فالوظيفة الأولى للمساجد هي أنها أماكن عبادة، فيها يؤدي المسلمون صلواتهم وجُمعهم أو جماعاتهم، ويقرءون القرآن ويذكرون الله تعالى، وعمارة المساجد تعني تشييدها وإقامتها وبنيانها، وبالتالي عمارتها بالعبادة والاجتماع فيها للجماعة، وبقراءة القرآن والذكر، والاعتكاف وهذا هو المعنى الأهم في العمارة، وإن مهمة المساجد هي أن الله تعالى أذن أن ترفع بيوته بتعظيمها، ورفع شأنها بالتقديس والتطهير وإقامة الشعائر الدينية فيها بعد رفع قواعدها وبنيانها، وذكر الله فيها عام يشمل الصلاة نفسها، والأذان، وقراءة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والتضرع إلى الله تعالى، ولذا حث الدين الإسلامي على ارتياد المساجد وحضور الجماعة فجعل ممن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله من كان قلبه معلقا بالمساجد، أي بالتردد عليها، وإقامة الصلاة فيها وعمارتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه.

 

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه” وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من غدا إلى المسجد وراح، أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح” وكل هذا لما فيه من اتصال العبد المؤمن بخالقه جل وعلا، ولما فيه من القوة الروحية التي يفتقر إليها الإنسان، واستمرار الصلاة في المسجد إمداد للجماعة الإسلامية بالقوة التي لابد منها لإصلاح المجتمع،إلى جانب هذا تشتمل الصلاة على عدة أسرار وحكم بالغة، حيث تتكرر خمس مرات يوميا لتكون حماما روحيا للمسلم يتطهر بها من غفلات قلبه وأدران خطاياه.

 

وليس أثر الصلوات مقصورا على جانب واحد فقط، بل هناك عدة جوانب منها النفسي، والجسمي، والعقلي، فمناجاة العبد ربه، والتذلل إليه، واعترافه بخطاياه، وطلب العفو والمغفرة، وترك الدنيا جانبا عند الدخول إلى المسجد أمور تدخل إلى النفس طمأنينة وراحة، وإن مفتاح الصلاة الطهور، فقال تعالى “يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فاطهروا” وهكذا فإن اشتراط التطهر للصلاة في الثوب والبدن والمكان أمر لا تتم الصلاة إلا به، وفي هذا من النظافة ما يجلب الصحة للإنسان، ولا يأمر القرآن الكريم بمجرد الصلاة، ولكنه يأمر بإقامتها، وتعبير الإقامة له مدلول كبير، فيه حضور القلب، وإعمال الفكر، وصفاء الروح، وخشوع الجوارح، وطهارة النفس والبدن، وهو الجو الذي يتيح للمسلم أن يصل إلى غايته، فيتسامى بالنفس فوق دوافع الجسد.

 

ويحررها من أسرار شهواتها ويطهرها من الإثم والعدوان، ويسد فيها منافذ الشيطان، ويكيف سلوكها، ويطبعه بطابع القرآن، وإن إبراز ملامح التفاف المسلمين حول المقاصد الإسلامية، ووحدة العقيدة والكلمة، هو هذا التوارد على الصلوات المكتوبة جماعة في المسجد حيث ترسخ العقيدة الإسلامية في القلوب، وتتعمق روح التعاون، وتتقوى عرى التكافل في حياة المسلمين، وتنبثق الأخلاق الكريمة وتنتشر، بل وتتزايد في ظل الإخاء، والتسامح، والتساوي الذي يظهر أنه لا عنصرية ولا طبقية في الإسلام، بل الجميع سواسية عند الله لا تفريق بينهم إلا بالتقوى، فقال صلى الله عليه وسلم “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ولقد نوّر المسجد قلوبا، وعمر أفئدة، وأزال عنها غبش المعاصي، وانتزع منها جذور الزيغ والضلال، وجعل منها بحول الله تعالى وقوته أجيالا مؤمنة تقية نقية، مجاهدة صامدة، قانتة مطيعة، عمرت الأرض بالطاعة والخير، ونشرت الإسلام في آفاق واسعة ونواحى عديدة من المعمورة.

 

فكانت قرآنا يمشي على الأرض، ينير للناس مناهج الحق، ويهديهم سبل الرشاد، وكانت رسل هداية تغزو القلوب بالإيمان، وتغرس فيها بذور التقوى، والإصلاح وغراس الطاعة كلها، من طاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر، فمن المسجد الحرام انطلقت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تهز أرجاء مكة بقوة ألفاظها، وسلاسة معانيها، وقوة نفاذها في الأعماق تعرب عن صدق وإخلاص وأمانة، وتنبع من جنان عامر بالنور، دوّى بها النبى صلى الله عليه وسلم قائلا بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله في أول خطبة خطبها بمكة حين دعا قومه “إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا، وإنها لجنة أبدا أو نار أبدا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى