مقال

الدكروري يكتب عن إياكم وزنا المحارم ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إياكم وزنا المحارم ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن تقوى الله عز وجل وحسن الخلق من أعظم أسباب دخول الجنة، ومن فضائل التقوى أنها تقي العبد عذاب الله يوم القيامة، لقد أمرنا الله عز وجل بالتقوي والخشية منه تعالي، ويحكي أنه كان هناك تاجر قماش له محل وبضاعة يتاجر فيها، فأتت إلية امرأة لتشتري منه فأعجب بها الرجل وزينها له الشيطان، فما كان من هذا التاجر غير أنه مسك يدها، فقالت له هذه المرأة اتقي الله، وأثرت تلك الجملة في البائع فترك يدها وقال لا خير في يوم يبدأ بالحرام وأغلق محلة وتوجه إلي منزله، فعندما دخل بيتة وجد زوجته تبكي فقال لها ما يبكيك؟، فقالت له “كان السقا هنا يملئ الماء ومسك بيدي، فقلت له اتقي الله فاستغفر الله ومشي، فقال التّاجر مقولته تلك المشهورة “دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا” وقد أحاطت الشريعة الإسلامية الإنسان المسلم من الوقوع في فاحشة الزنا بعدة موانع وحجب، تحول بينه وبين قربان الفاحشة وانتهاك حرمات الله تعالى وذلك حماية للمجتمع المسلم من الوقوع في براثن الغواية.

 

والولوج في لجة الفاحشة التي لا تزيد المجتمع إلا تفسخا وانفلاتا فحرم الله تعالى النظر إلى ما حرم الله من النساء الأجنبيات، فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس، يرشق إلى قلب ابن آدم فيصيب قلبه وتتحرك نوازعه الداخلية تجاه ما رأى، وهكذا يشرع قلبه في التعلق وعقله في التخيل، ثم تتحرك جوارحه، فتسعى قدمه إلى الحرام، من خلوة واختلاط، وتتطلع يده إلى اللمس الحرام بالمصافحة والملامسة، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، ويعد الوازع الديني ورقابة الضمير وتحقيق مقام المراقبة أنجح قانون وأنجع وسيلة لعدم التعدي على الحرمات، بل نعدها من إعجاز القرآن التشريعي أن ينضبط سلوك الناس دون القانون الذي يضع العقاب، فالخوف من الله تعالى وشؤم المعصية ومخافة الحساب والوقوف على الصراط ورد المظالم وغيرها من القيم الإيجابية في الدين تجعل المرء يخاف أن يتعدى حدود الله، بل أولئك هم الظالمون، والإسلام قد قنن هذه العلاقات.

 

وجعل لها بابا حلالا تستقر به النفس ويطمئن إليه القلب، فوضع حدا يقطع السبل على الفاحشة أن تنتشر في المجتمع، ليصير الإنسان هو سيدها والمتحكم فيها، وليست هي الآمرة الناهية له تسحبه إلى مستنقعها الآثم، فتنظيم الإسلام لهذه العلاقة لم ينتج مجتمعات مكبوتة جنسيا كما يدعي الغرب والغربيون، وإنما أثمر مجتمعات نظيفة خالية من الأمراض المجتمعية والنفسية والصحية، وفي المقابل فإن تلك الحرية المزعومة في الغرب هي التي أنتجت واقعا أليما وأمراضا نفسية أصابت الأفراد بدءا من المراهقين ومرورا بالشباب وانتهاء بكبار السن، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصه الله ورسوله فلا يضرن إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا، وقد جاء ديننا الإسلامي بحفظ الأعراض وحمايتها، وبسد كل باب يمكن أن تنفذ منه الشهوة بين المحارم، وأوجب ستر العورات بينهم، ولم يتوسع في القدر المعفو عن ستره بينهم حتى لا تقع العين على ما يهيج الجسد ويحرك الشهوة.

 

فيضعف مع هيجانها رقابة الضمير، أو يتلاشى الحاجز النفسي تحت ضغط الشهوة، أو يضعف تحت وطأتها الملحة، وقال ابن القيم رحمه الله، أن الزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ولا تجد زانيا معه ورع، ووفاء بعهد، ولا غيرة تامة على أهله، ومن موجباته غضب الرب، وظلمة القلب وطمس نوره، ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر، والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الزاني، والخائن، والفاجر، والفاسق، ومنها أنه يسلبه اسم المؤمن، فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ” رواه البخارى ومسلم، فسلبه اسم الإيمان المطلق وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان، فهو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، لكنه سلب عنه اسم الإيمان المطلق، ومنها الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلبه، وقلة الهيبة، وضيق الصدر، وإننا لن نتكلم عن الزنا بعمومه.

 

ولكن سيقتصر كلامنا عن زنا المحارم ونقصد بزنا المحارم زنا الأخ بأخته أو العم ببنت أخيه أو الخال بابنة أخته، وأعظم منه زنا الرجل بابنته التي من صلبه أو الولد بأمه أو بزوجة أبيه وإلى آخره من المحرمات وإن كان الزنا في حد ذاته مستقبحا في النفوس والفطر، فإن الفطر السليمة تكاد تنكر وقوعه لو سمعوا به، وهذا دليل على أن الله فطر في النفوس قبحه والنفرة منه والابتعاد عنه، فقد جبلت النفوس على عدم الميل الجنسي بين المحارم، بل استعظام هذا واستقباحه، ومن شأن الرجل أن يحمي حريمه ويذود عنهم، فيكون ذلك أدعى أن لا يفكر في الاستمتاع بهن، وهو الذي يحميهن من أن يتعدى عليهن، فلا يتصور أن يعتدي هو عليهم، بل لا يفعل ذلك إلا من خرج عن فطرته ولذلك عظمت الشريعة عقوبة الزاني بمحارمه، فأشهرت في وجهه أعتى سلاح يمكن أن يصيب الإنسان، إنه القتل، فقيل عنه وأعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم”

 

وعن البراء بن عازب قال لقيت خالي ومعه الراية فقلت أين تريد؟ قال بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله ، وقد اتفق العلماء في أن المحصن إذا زنى فإن حكمه في الشرع هو الرجم، بل ذهب بعض العلماء إلى أن من زنى بمحرم من محارمه فيقتل، سواء أكان محصنا أم لا، تغليظا له في العقوبة، وإن كان جمهور الفقهاء على أن عقوبة زنا المحارم هي عقوبة الزاني، فيجلد إن كان غير محصن، ويرجم إن كان محصنا، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه “الجواب الكافي” قد اتفق المسلمون على أن من زنى بذات محرم فعليه الحد، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني؟ على قولين، فذهب الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه إلى أن حده حد الزاني، وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى