مقال

الدكروري يكتب عن الحفاظ علي الوطن ” جزء 9″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحفاظ علي الوطن ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وكان نتيجة تركيز نظرتها في قيام الحضارات على الذات الإنسانية والطبيعة أن يعتبر الجنس أو العرق العامل الأساسي في نشوء الحضارة، واختصت بذلك الجنس الأبيض لما يتمتع به من خواص أهلته لصنع الحضارة، وأما دخول الطبيعة كعامل مهم في نشأة الحضارة فيكمن في نشوء صراع بين الطبيعة والإنسان ليتحدى الإنسان نفسه وتتفجر طاقاته ليبني حضارة مزدهرة، إلا أن هذا الصراع أدى مع مرور الأيام إلى إحداث الفساد في العمران، والجدير بالذكر أن فكرة الصراع بين الإنسان والطبيعة من حوله هي فكرة غربية بحتة تبدو للوهلة الأولى منطقية إلا أنه عند التوغل فيها نجد أنها فكرة مدحوضة، حيث إن الطبيعة وجدت لخدمة الإنسان وعليه فإن فكرة الصراع بينهما مرفوضة، فالعلاقة بينهما علاقة تكامل وانسجام، وفي عصرنا الحالي نجد أن الحضارة المعاصرة عملت على إفساد البيئة الكونية، وذلك لأن العلاقة قد تأسست منذ البداية على فكرة الصراع.

 

دون وجود للقيم الأخلاقية، مما أدى إلى ظهور العديد من المشكلات مثل استنفاذ الموارد ومصادر الطاقة المخزونة، بالإضافة إلى تراكم النفايات بشكل كبير واستخدام أسلحة الدمار الشامل التي أدت إلى إهلاك النسل، وكل تلك الأمور سببها السلوك الإنساني الفاسد، وقد تم استبعاد البعد الغيبي في عوامل قيام الحضارة في الرؤية الغربية، حيث تعاملت الحضارة الغربية مع عالم الشهادة، واقتصر علمها على المفاهيم الوضعية التي تقوم على الصراع. كما أن النظريات الغربية عمدت إلى تعظيم دور الإنسان وجعله مركزا للكون، بالإضافة إلى تضخيم دور الطبيعة أيضا، وقد سعت الحضارة الغربية إلى تحقيق المنفعة للإنسان وإشباع غرائزه مع إهمال الجانب الروحي، الأمر الذي أدى إلى التهديد بالخطر، ولم يرى الغرب أن مقياس تفوق الحضارات لا يكون في حجم إنتاجها فقط وإنما في أخلاقية الجماعات المتحضرة في المجتمع وخدمتها للإنسانية.

 

حيث انحصرت وجهة النظر الغربية في عرقٍ معين أو نطاق دولة معينة، أو طبقة ما، والجدير بالذكر أن انفصال الحضارة عن الدين في المجتمع الغربي أدى بها إلى الانحلال، والذي أدى بدوره إلى مشكلات عديدة أهمها انهيار الأسرة، وتفككها، وانتشار المخدرات، وغيرها من مشاكل المجتمعات الغربية، وأما عن عوامل قيام الحضارات في الرؤية الإسلامية، فلقد استخلف الله تعالى الإنسان في الأرض للقيام بدوره الحضاري فيها، ويمكن القول إن تقدم المجمتع وتخلفه يرجع للإنسان نفسه، وقد أكد القرآن الكريم هذا الأمر عندما بيّن أن أي تغيير في العالم يبدأ من تغيير الناس لما في أنفسهم، إذن فإن قيام الحضارة وسقوطها يعود إلى الموقف البشري نفسه، والإرادة الإنسانية وليس إلى الطبيعة أو المادة، كما أن بقاء الأمة وحضارتها مرتبط بصلاح نفوسها وفسادها سواء داخليا أو خارجيا، أما التغيير الداخلي للنفس فيحدث من خلال الإيمان.

 

والذي يعمل على تنشئة الأفراد على الصدق، والأمانة، والإخلاص، ومحاسبة النفس وضبطها، كما يؤهلهم لبناء حضارة ومجتمع مزدهر، ويعد الإيمان الأساس الذي تقوم عليه الحضارة لما يحدثه من آثار في حياة الإنسان، ويبين الإيمان حقيقة الوجود ويرسم غاية الحياة، وحقيقة التوحيد التي تمثل جوهر العقيدة التي يتم بناء الحضارة على أساسها، ويشكل الإيمان الوعي الجماعي للمجتمع الذي تقوم عليه الحضارة، فلكل دائرة حضارية نظرياتها المعرفية المحددة لخصائصها الجوهرية والتي تمنحها الهوية الثقافية والاجتماعية المتميزة، كما أن الإيمان يبدأ بعملية إصلاح القلب والذي يتبعه صلاح في الأعمال، وبالتالي الانعكاس على قيام الحضارة المادية، ويقوم الإيمان على الوسطية في مبادئه والتي تعد سيرة المسلمين التي بنوا عليها حياتهم القائمة على العدل الذي يعد منطلقا للتغيير، والتعمير، والاستثمار، ويمكن القول إن الوسطية قاعدة أساسية من قواعد التحضر الإسلامي.

 

في مختلف الجوانب الفكرية، والسلوكية، والتعميرية، وبما أن الإيمان يعني المعرفة والتصديق والعمل فإن ذلك يعني تكامل العلم والعمل معا، مما يتيح للفرد أن يتطور ويحقق العمران في الأرض، وبالتالي البعد عن الفساد والإفساد فيها، وهذا يعني تحقيق الهدف من استخلافه، وإن الإيمان بالله وتوحيده هو المرجع والمبدأ، الذي تنبثق عنه كافة المفاهيم والقيم التي تمنح الحضارة الإسلامية هويتها كما ويربط جميع مكوناتها لتصبح كيانا متكاملا، وقد ارتبطت علاقة التوحيد بجميع مظاهر الحضارة، حتى إن المسلمين قد اتخذوا التوحيد عنوانا لجميع أبحاثهم وأدرجوا الموضوعات الأخرى تحت لوائه، ويعتمد مبدأ التوحيد على الوحدة وليس التنويع لذلك نجد أن الحضارة الإسلامية لا تؤمن بوجود إلهين، الأمر الذي يصل بتأثيرات الحضارة الإسلامية إلى كل قانون وكل توجيه، أما مسؤولية الإنسان عن تصرفاته فتسمى بالتكليف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى