مقال

الدكروري يكتب عن الظل يوم القيامة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الظل يوم القيامة

بقلم / محمــد الدكــروري

إن في يوم القيامة يوم البعث والنشور، يساق الناس إلى أرض المحشر ويحشرون جميعا للعرض على الله عز وجل وهم حفاة عراة، وإنه موقف يجعل الولدان شيبا ويمتد زمانه على الناس خمسين ألف سنة في انتظار ساعة الحساب، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه متعلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفي حتي لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه” رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” يوم يقوم الناس لرب العالمين” قَال ” يقوم أحدهم في رشحه إلي أنصاف أذنية” رواه البخاري ومسلم.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة ثم لا ينظر الله إليكم” ومع هول هذا الموقف فإن الحر يشتد يومئذ لدنو الشمس منهم ،ويتصبب منهم العرق فيغرقهم كل يحسب ما اجترح من السيئات فقد روى الإمام أحمد في مسنده، غن عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” يوم تدنوا الشمس من الأرض فيغرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه عقبيه ومنهم من يبلغ إلي نصف الساق ومنهم من يبلغ إلي ركبتيه ومنهم من يبلغ العجز ومنهم من يبلغ الخاصرة ومنهم من يبلغ منكبيه ومنهم من يبلغ عنقه ومنهم من يبلغ وسط فيه، وأشار بيده فألجمها فاه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير هكذا ومنهم من يغطيه عرقه” فما أحوج الناس إلى الظل في ذلك اليوم، يوم لا ظل إلا ظل عرش الرحمن سبحانه وتعالى ويفوز بهذا الظل عموم المؤمنين.

 

كل بحسب عمله الصالح إلا أن هناك أصنافا من المؤمنين، اتصفوا بأوصاف وتخلقوا بأخلاق وعملوا أعمالا يخصهم الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فهم في ظل والناس في حر وعرق وهم آمنون والناس في هم وكرب وخوف شديد وهم على منابر من نور والخلائق جاثية على الركب فمن هؤلاء الفائزون المستظلون بعرش الرحمن ؟ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل” فالإمام العادل بين رعيته والرحيم بهم والمشفق عليهم ويعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتعب نفسه ليرتاحوا ويسهر ليله ليهدأوا ويناموا، هو ممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم القامة ثم يقول صلى الله عليه وسلم ” وشاب نشأ في عبادة ربه”

 

فالشباب المتعبدون لربهم المطيعون لمولاهم الذين نشأوا في عبادة الله وأفنوا أعمارهم في طاعته ورضاه، فاستحقوا أن يكونوا ممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ويقول صلى الله عليه وسلم ” ورجل قلبه معلق بالمساجد” فهم رجال أحبوا المساجد وألفوها وتعلقت قلوبهم بها وانتظروا الصلاة بعد الصلاة، ففي المساجد راحتهم وبذكر الله والصلاة تطمئن قلوبهم وتحل مشاكلهم، لا تشغلهم تجارة مهما توسعت ولا مال مهما كثر، حيث قال الله تعالى في سورة النور” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوا والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار” ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه” فهم أناس تحابوا في الله وتزاوروا في الله وتجالسوا في الله وفي مسند الإمام أحمد.

 

عن النبي صلي الله عليه وسلم يرفعه إلي رب العزة سبحانه وتعالي قال ” جقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتباذلين في وحقت محبتي للمتواصلين في” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي” ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم “ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله” فهذا رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال وقد توفرت له كل أسباب إجابتها لما دعته، وانتفت عنه كل موانع إجابة دعوتها ولم يعلم أحد سواهما بما دار بينهما إلا الله، فاستعصم بالله من إغوائها، وإغواء شهوة الشباب وسيطر على نفسه وشهوته ولم تسيطر عليه، ولذا استحق وصف الرجولة واستحق ظل الله له يوم لا ظل إلا ظله، وإن من عدل الله تعالى أن العبد يختم له في الغالب على ما عاش عليه.

 

فمن كان في حياته يشتغل بالذكر والقيام والصدقات والصيام ختم له بالصالحات، ومن تولى وأعرض عن الخير خشي عليه أن يموت على ما اعتاد عليه، ولأجل هذا الفرق العظيم كان الصالحون يستعدون للموت قبل نزوله، بل يغتنم أحدهم آخر الأنفاس واللحظات في التزود ورفع الدرجات، فتجده يجاهد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويشتغل بالطاعات إلى آخر نفس يتنفسه، وهكذا فإن هؤلاء أقوام أيقنوا أنه لا مهرب من نزول الموت فسعوا إليه قبل أن يسعى إليهم فأحبّوا لقاء الله فأحبّ الله لقاءهم وبذلوا مهجهم رخيصة في سبيل الله تعالى فما هو الجزاء ؟ فيقول تعالي “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف، عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين، الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرعظيم”

 

نعم والله ذلك الفوز الكبيرإذا أوقفهم ربهم بين يديه فرحوا بما ماتوا عليه فيبيض وجوههم ويرفع درجاتهم، بل كان الصالحون يفتنون في دينهم ويهددون بالموت فلا يلتفتون إليه، نفوسهم صامدة على غاية واحدة هي الموت على ما يرضي الله تعالي فهم كما قال الله لهم “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” فأين نحن اليوم من مثل هذا الثبات حيث يقول تعالي “ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” فإن من المسلمين اليوم من يتنازل عن دينه لأجل دراهم معدودات أو تتبع، الشهوات أو الولوغ في الملذات ثم يختم له بالسوء والعياذ بالله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى