مقال

الدكروري يكتب عن ولد يتيماً وعاش كريماً

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ولد يتيماً وعاش كريماً

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، طيب المعشر، حسن الخُلق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله ألقى عليهم السلام، وإذا لم يجد الإنسان في بيته أحدا من الخلق فليسلم على نفسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله، فكان يساعد هذه، ويساعد هذه، وكان يخدمهم، حتى إذا أتت الصلاة كما تقول عائشة رضي الله عنها “فكأنه لا يعرفنا، ولا نعرفه” وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله ويقوم بكثير من الأمور الشخصية التي ربما يأنف منها البعض الآن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين لله جل وعلا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لطيف المعشر مع أهل بيته، فكان يكني نساءه بأحب الأسماء إليهن، فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان يتطلف لها، ويناديها بأحب الأسماء إليها، فيقول لها “يا عائش” وربما قال لها “يا حميراء” فكانت تفرح بهذه الألقاب، وبهذا التدليل، وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم.

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم من علامات حُسن خُلقه مع نسائه، كان يسمح لهم ببعض الترفيه المباح، فثبت في الستة النبوية أن عائشة رضي الله عنها رأت الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فكانت تختبئ خلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، وتنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في المسجد، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها “أشبعت؟ أفرغت يا عائشة؟” فكانت تنظر وتفرح، وكان هذا من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يسمح باللهو المباح، ويسمح لبعض نسائه بشيء من المرح في حدود الشريعة الإسلامية، وذكرت بعض الروايات أن السيدة آمنة بنت وهب لم تجد في حملها ما تجده النساء عادة من ألم وضعف، بل كان حملا سهلا يسيرا مباركا، كما روي أنها سمعت هاتفا يهتف بها قائلا “إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي إني أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمدا” ولما وضعته أمه خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.

 

حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام وهو المولود بمكة، وعن يوم ميلاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تروي أم النبي صلى الله عليه وسلم حين ولدته أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام، وأنها ولدته نظيفا ما به قذر ويقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” أنا دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، رأت أمي حين حملت بي كأن نورا خرج منها أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام ” رواه أحمد، وكانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت قد انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان، والإيمان بالخرافات والجهالات، كما انتشرت الأخلاف الوضيعة والعادات السيئة والتقاليد القبيحة مثل الزنى، وشرب الخمر، والتجرؤ على القتل وسفك الدماء، وقتل الأبناء ووأد البنات، أي دفنهن حيات، وذلك خوفا من الفقر أو العار، كما كان يسود التعصب القبلي الشديد الذي يدفع صاحبه إلى مناصرة أهل قبيلته بالحق أو البطل.

 

والتفاخر بالأحساب والأنساب، والحرص على الشرف والمكانة والسمعة الذي كان كثيرا ما يفضي إلى حروب ومعارك بين القبائل تستمر سنوات طويلات، وتسفك فيها الدماء رخيصة، على الرغم من تفاهة الأسباب التي اشتعلت بسببها تلك الحروب، ورغم نشأة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذه الأجواء الجاهلية إلا أنه منذ صغره لم يتلوث بأي من هذه الوثنيات والعادات المنحرفة، ولم ينخرط مع أهل قبيلته في غيهم وظلمهم، بل حفظه الله من الوقوع في أن من ذلك منذ نعومة أظفاره، وينتسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أسرة عريقة ذات نسب عظيم عند العرب، فقد كان أجداده من أشراف العرب وأحسنهم سيرة وقد ولد صلى الله عليه وسلم ، يتيما فقيرا، فقد توفي والده عبد الله أثناء حمل أمه آمنة بنت وهب فيه، وكان من عادة العرب أن يدفعوا أولادهم عند ولادتهم إلى مرضعات يعشن في البادية ، لكي يبعدوهم عن الأمراض المنتشرة في الحواضر.

 

ولتقوى أجسادهم، وليتقنوا لغة العرب الفصيحة في مهدهم فأرضعته أولا ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما قبل أن تقدّم حليمة السعدية، وكانت أرضعت قبله صلى الله عليه وسلم، عمه حمزة بن عبد المطلب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة يكرماها، واعتقها أبو لهب بعد الهجرة، فكان صلى الله عليه وسلم، يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت، فسأل عن ابنها مسروح، فقيل مات، فسأل عن قرابتها، فقيل ماتوا، وقد دفعت آمنة بنت وهب وليدها محمد صلى الله عليه وسلم إلى مرضعة من بني سعد تسمى حليمة وأرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية، من بني سعد بن بكر، وكان أهل مكة يسترضعون لأولادهم نساء أهل البادية طلبا للفصاحة، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم ” أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد” وقد جاء عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع، وفيهن حليمة.

 

فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة، وكان معها زوجها الحارث المكنى أبا ذؤيب، وولدها منه عبد الله، فعرض عليها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فقالت يتيم ولا مال له، وما عست أمه أن تفعل، فخرج النسوة وخلفنها، فقالت لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي، وليس بمكة غلام يسترضع إلا هذا الغلام اليتيم، فلو أنا أخذناه، فإني أكره أن أرجع بغير شيء ، فقال لها خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا، فأخذته فوضعته في حجرها، فدرّ ثدياها حتى روي وروي أخوه، وكان أخوه لا ينام من الجوع، وقد رأت حليمة العجائب من بركة هذا الطفل المبارك محمد صلى الله عليه وسلم حيث زاد اللبن في صدرها، وزاد الكلأ في مراعي أغنامها، وزادت الأغنام سمنا ولحما ولبنا، وتبدلت حياة حليمة من جفاف وفقر ومشقة ومعاناة إلى خير وفير وبركة عجيبة، فعلمت أن محمد صلى الله عليه وسلم كونه ليس مثل كل الأطفال، بل هو طفل مبارك.

 

واستيقنت أنه شخص سيكون له شأن كبير، فكانت حريصة كل الحرص عليه وعلى وجوده معها، وكانت شديدة المحبة له فبقي عندها سنتين حتى فطم، فقدموا به على أمه زائرين لها، وأخبرتها حليمة ما رأت من بركته فردّته معها، ثم ردته على أمه وهو ابن خمس سنين ويومين وقدمت حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما تزوج، فبسط لها رداءه، وأعطتها خديجة أربعين شاة، وأعطتها بعيرا، وقد جاءت إليه صلى الله عليه وسلم، يوم حُنين، فقام إليها وبسط لها رداءه، فجلست عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى