مقال

الدكروري يكتب عن التوبة والندم 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التوبة والندم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من شروط التوبة هو الإقلاع عن الذنوب، والندم على فعل تلك الذنوب، والعزم على ألا يعود إليها أبدا، والإخلاص في التوبة، والتحلل من المظالم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عِرض، فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات” وفي رواية أخرى “مَن كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض، فليأته فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده درهم ولا دينار، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته فأعطيها هذا، وإلا أخذ من سيئات هذا فألقي عليه، وكذلك التوبة قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها لقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها” فإن حسن الخاتمة هاجس لكل مسلم أن يحسن الله خاتمته، وأن يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أحب الله عبدا استعمله” قالوا يا رسول الله، كيف يستعمله؟ قال “يوفقه لعمل صالح قبل الموت” فإن ساعة الاحتضار ساعة رهيبة، يتمنى الإنسان أن يثبته الله فيها، ويظن أحد أنها سهلة، وأنه يستطيع أن يتكلم بما يريد، فكم من محتضر حضر عنده الناس، وقالوا له قل”لا إله إلا الله”، ولم يستطع أن ينطق بهذه الكلمة، بل ربما تكلم بكلام محرّم، وأفعال كان يفعلها في هذه الدنيا، فما الأسباب التي تساعد على حسن الختام؟ فإن السبب هو الإيمان بالله جل وعلا، فإن الله عز وجل يثبت عباده المؤمنين عند ساعة الاحتضار، ويثبت أولياءه في القبر عندما يسألون، ويثبتهم عندما يقومون من قبورهم، والسبب الثاني هو الاستقامة على طاعة الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب حسن الخاتمة هو المحافظة على الصلوات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري

 

“من صلى البردين دخل الجنة” والبردان هما صلاة الفجر وصلاة العصر، فمن حافظ على صلاة الفجر وعلى صلاة العصر، فإنه سيحافظ على بقية الصلاة، وربما يموت بين عبادتين، ربما يموت بعد أداء العبادة مباشرة، كم من شخص لقي ربه وهو ساجد بين يديه؟ وكم من شخص فاضت روحه وهو منكسر بين يدي خالقه مُقبل على الله بقلبه وبدنه؟ وكما أن من أسباب حسن الختام هو إحسان الظن بالله مع العمل الصالح، فقال الله تعالى في الحديث القدسي “أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله” فمن صلى وصام وتصدق، وحج وبر والديه، ودعا ربه، فإنه يحسن الظن بخالقه أنه سيحسن خاتمته، ومن أسباب حسن الختام هو كثرة ذكر الله، فغالبا أن الإنسان عند ساعة الاحتضار ينطق بما كان يكثر منه في حياة الدنيا، فالذي يذكر ربه، ويكثر من ذلك، يثبته الله، وينطق بشهادة التوحيد عند ساعة الاحتضار، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول.

 

“من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة” وكما أن من أسباب حسن الختام هو صنائع المعروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صنائع المعروف تقي مصارع السوء” ومن أسباب حسن الختام هو أن يكثر المسلم من ذكر الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكثروا من ذكر هادم اللذات” فإذا أكثر المسلم من ذكر الموت، استعد بالتوبة الصادقة، وشمّر عن ساعد الجد بالأعمال الصالحة لأنه يعلم علم اليقين أنه في يوم من الأيام سيفارق الأهل والأحباب والدور والقصور والأموال، وسيوضع في حفرة مظلمة لا أنيس فيها ولا جليس، إلا ما قدم من الأعمال الصالحة، وكما أن من أسباب حسن الختام أيضا هو أن يكثر المسلم من الدعاء، ويسأل ربه بصدق أن يحسن الله خاتمته، فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلبي على دينك” فكم من إنسان كان مجتهد.

 

ثم قصّر في نهاية المطاف؟ والعبرة ليس في كمال البدايات، وإنما العبرة بكمال النهايات فيقول صلي الله عليه وسلم”وإنما الأعمال بالخواتيم” رواه البخاري، ومن أسباب حسن الختام هو النية الصادقة، فينوي المؤمن العمل الصالح، ويكون بينه وبين الله من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “من تمنى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه” رواه مسلم، وإن من آثار المحبة الإلهية ومظاهرها هو أن يكون حسن الخاتمة، فعن عمرو بن الحمق رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أحب الله عبدا عسله” قالوا ما عسله يا رسول الله؟ قال “يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه” أو قال “من حوله” ومعني كلمة “عسّله” بفتح العين والسين المهملتين تشدد وتخفف أي طيّب ثناءه بين الناس، من عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل، ذكره الزمخشري، وفي رواية “يفتح له عملا صالحا قبل موته ثم يقبضه عليه”

 

وهو من كلام الراوي لا المصطفى صلى الله عليه وسلم شبّه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب ذكره وفاح نشره بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء ويصلح كل ما خالطه، ذكره الزمخشري، وقال الحكيم الترمذي فهذا عبد أدركته دولة السعادة فأصاب حظه ومراده بعدما قطع عمره في رفض العبودية وتعطيلها وعطل الحدود وأهمل الفرائض فلما قرُب أوان شخوصه إلى الحق أدركته السعادة بذلك الحظ الذي كان سبق له فاستنار الصدر بالنور وانكشف الغطاء، فأدركته الخشية وعظمت مساويه عنده فاستقام أمره فعمل صالحا قليلا فأعطي جزيلا، هذا، ومن أعظم فوائد هذا الحديث أنه حاث على عدم اليأس من محبة الله تعالى مهما عمل ومهما طال به الأجل، واقفا بباب الرحمن الكريم يستجديه إذ الخواتيم لا تعلم حال الحياة ولا تدرك بالعزم ساعة الموت، وإنما هي بتوفيق الله عز وجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى