مقال

الدكروري يكتب عن معالجة النبي للأمور

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن معالجة النبي للأمور

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يعالج الأمور التي تعرض عليه بحكمة عالية ومثله ما كان يشير به رسول الله صلى الله عليه وسلم في معالجة بعض الأمراض، فإنه قد لا يصدر في ذلك عن وحي، ولكن عن تجربة ومعرفة اكتسبها من بيئته، وقد يصدر عن إرشاد من الله تعالى ويجب اتباعه، فيدل على الأول ما أخرجه أبو داود بسنده عن أسامة بن شريك قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاء الأعراب من ههنا وههنا، فقالوا “يا رسول الله، أنتداوى؟” فقال “تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد السام ” وما أخرجه مسلم وأبو داود عن جابر رضي الله عنه، بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا، وكذلك روى عمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضا فقال لأهله ” أرسلوا إلى الطبيب” فقال قائل “أنت تقول ذلك، يا رسول الله؟

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “نعم فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء” ولو كان الطب من أمر أو شريعة يوحى بها إليه ما أرسل الطبيب إلى أبي، ولم يأمر باستدعاء الطبيب، ولأشار على الأعراب بالرجوع إليه في علاج أمراضهم، وإذا ما صدر في شيء من ذلك عن وحي كما في رواية البخاري عن أبي سعيد قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي يشتكي بطنه، فقال صلى الله عليه وسلم ” أسقه عسلا” ثم أتاه الثانية، فقال صلى الله عليه وسلم ” أسقه عسلا ” ثم أتاه فقال فعلت، فقال صلى الله عليه وسلم ” صدق الله وكذب بطن أخيك، أسقه عسلا ” فسقاه فبرأ، فإنه يكون إرشادا إلى ما فيه الشفاء دون تخلف عنه ولكنه مع ذلك لا يقتضي قصر الشفاء عليه، وأن لا شفاء في غيره كما لا يستوجب وجوب المعالجة به دون غيره، وكذلك الحال في لباسه صلى الله عليه وسلم هيئة ووضعا وشكلا، وفي طعامه نوعا ولونا وتناولا.

 

فمرد ذلك إلى عادات قومه، ومقتضيات وطنه، وجوه التي صارت له عادة، ولو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم في جو آخر أو كان من غير العرب لتغير لباسه وطعامه تبعا لذلك، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم حين قدم إليه لحم الضب عافه، ولم يأكل منه، فقيل له أهو حرام؟ قال ” لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ” وأخرج البخاري عن خالد بن الوليد رضى الله عنه، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال بعض النسوة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فقالوا هو ضب يا رسول الله، فرفع يده، فقلت، أهو حرام يا رسول الله؟ فقال ” لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ” فقال خالد بن الوليد فاجتررته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فلم ينهني، فمثل هذه الأمور ما يشبهها، من هيئات جلوسه ونومه ومشيه.

 

وكيفيات سيره وطريقة تناوله لطعامه، ونحو ذلك مما صدر عنه صلى الله عليه وسلم بمقتضى طبيعته، وجبلته، وكونه بشرا يحيا حياة الناس، ويعيش عيشتهم، ويتقلب متقلبهم في أمور الدنيا، ومتطلبات الطبيعة الإنسانية لم يكن فيها شارعا، ولا تعد أعماله ولا أقواله فيها شريعة يؤخذ الناس باتباعها ويلامون على تركها، وإن دلّ ذلك على إباحتها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدم على معصية، وإذا روي عنه فيها صلى الله عليه وسلم ما يتضمن صيغة الأمر فهو في هذه الحال مجرد إرشاد، في الاحتفاظ بالتقاليد القومية، والعادات المرعيّة، التي يكون لها حسنها وجمالها في بيئتها، بينما يكون لها عكس ذلك في بيئة أخرى، تختلف فيها العادات والتقاليد إلى أضدادها، مما يكون طرحه والخروج عليه أمرا مذموما وفعلا سيئا في بيئته، كما هو الحال فيما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك، مراعاة في الاحتفاظ به وعدم الخروج عليه.

 

من تلك العادات التي كانت للعرب حال حياته صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا ما تبيّن أن أمره بِشيء من ذلك إنما صدر للحافظ على خلق أو مروءة، أو لتجنب ضرر أو فساد، فإنه يكون حينئذ شريعة واجبة الطاعة، قد صدر في الأمر بها عن وحي لا عن عادة مرعية، وبِهذا البيان تحدد ما يعد من السنة شريعة واجبة الطاعة، وما نحن بصدد التعريف بمكانته في بيان الأحكام الشرعية، وأما عن مكانة السنة النبوية المشرفة في بيان الأحكام الشرعية، فإن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما المصدران الأساسيان لتقرير الأحكام وبيانها، وإليهما ترجع جميع المصادر الأخرى، ولكن الكتاب وهو القرآن الكريم يعد المصدر الأول والأساس الذي تقوم عليه السنة النبوية ولا تختلف عنه، وكان لذلك أصل الأدلة بقول الله تعالى في سورة النساء ” إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ” ويقول الله تعالى في سورة النحل.

 

” ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ” ويقول الله تعالى في سورة الأنعام ” وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ” ويقول الله تعالى في سورة فصلت ” وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” وإن الآيات في هذا المعنى عديدة كثيرة ونكتفي بما ذكرنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى