مقال

الدكروري يكتب عن المؤمن التقي في الحياة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المؤمن التقي في الحياة
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن العبد في هذه الحياة لا يخلو من حالين، إما حصول محبوب أو وقوع مكروه فالمؤمن الصادق يقابل المحبوب بالشكر، والمكروه بالصبر، ومهما عظمت مصيبتك، وكبر همك، وازداد غمك، فاعلم أن مع العسر يسرا، ومع الكرب فرجا، وإن المؤمن التقي يعرف صعوبة طريقه في هذه الحياة، يسير وقد شمّر للطاعات، يحذر المعاصي والسيئات، في طريق الحياة الذي تتجاذبه أشواك الأهواء والرغبات والشهوات، أشواك المخاوف والهواجس، أشواك المطامع والمطامح، يسير وقد وضع نصب عينيه قول الصحابي الجليل أبيّ بن كعب رضي الله عنه عندما سأله الفاروق عمر رضي الله عنه عن التقوى فقال له “يا أمير المؤمنين هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال نعم، قال فما عملت فيه؟ قال شمّرت وحذرت، قال فذاك التقوى” ولذلك حرص الإسلام أن يكون البيت المسلم مأوى النور والهداية والتقوى، لتنأى عنه لوثات الشر والفساد والانحراف.

وحين تسير حياة المسلم على تقوى من الله ورضوانه، عابدة لله خاشعة، خاضعة قانعة، ذاكرة شاكرة، مفكرة متبصرة، فإنه يعمّها الخير، ويُظلها الفلاح، ويَحدوها النجاح، وتكلؤها عناية الله، وتحفها بركات الأرض والسماوات فيوم اتقى أسلافنا الله حق تقاته دانت لهم الدنيا، وفاضت عليهم البركات، وتحقق لهم وعد الله تعالي، فإن التقوى كلمة عظيمة، مفتاحها مراقبة الله في السر والعلانية، ميزانها عبادة لله صافية، ثمارها سعادة دنيوية وكرامة أخرويّة، فإن التقوى رقيب يقظ، وحارس ساهر على القلوب هي معدن الخيرات وكنز البركات، ورفع البلايا والأزمات، والتقوى خير زاد ليوم المعاد، يوم الحساب والجزاء والوقوف بين يدي رب العباد، والتقوى أن تجعل بينك وبين ما حرّم الله حجابا وحاجزا، تعمل بأوامره وتجتنب نواهيه، وقد عرّف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه التقوى فقال.

“هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل” والتقوى كانت وصية الله عز وجل لعباده الأولين والآخرين وهي أيضا وصية رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته جميعا “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة” وقد وصى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضى الله عنه بالتقوى فقال”اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخُلق حسن” ومن أجل ذلك كانت التقوى وصية الصحابة والسلف الصالح لبعضهم بعضا في كل أعمالهم وأحوالهم وأمورهم، فقد أوصى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولده عبد الله فقال “أوصيك بتقوى الله فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جازاه، ومن شكره زاده، فاجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك” والتقوى محلها القلب لقوله صلى الله عليه وسلم “التقوى ههنا” وأشار إلى صدره الشريف، لذلك فهي لا تليق إلا بقلب المؤمن بربه، الخاشع لخالقه، القلب الذي طرح نفسه بين يديه.

والتجأ منه إليه به يبصر، وبه يسمع، وبه يمشي عظم الخالق في نفسه فصغر ما دونه في عينه، وقد فقه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن حقيقة المتقي ليست بالمظاهر، وإنما هي بالحقائق فقال “ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرّم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزق بعد ذلك خير فهو خير إلى خير” وﺭﻭﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺑﻦ هيثم ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﻳﻢ ﺍﻟﺴﻬﺮ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺍﺑﻨﺘﻪ ﻳﺎ ﺃبتي من ﺃﻓﻀﻞ ﺧﻠﻖ الله ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ؟ فقال ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم، فقالت ﺑﺤﺮﻣﺔ سيدنا ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﻧﻢّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ، ﻓﻘﺎﻝ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺃﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻬﺮ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﻭﻟﻜﻦ ﻷﺟﻞ ﻣﺎ ﺃﻗﺴﻤﺖ ﺍﺑﻨﺘﻲ ﻋﻠﻲّ ﺑسيدنا ﻤﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺃﻧﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ، ﻓﻨﺎﻡ، ﻓﺮﺃﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺃمه أي جارية ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﺯﻭﺟﺘﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺠنة، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺻﺒﺢ ﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺑﻘﺪﻭﻣﻪ ﺗﻠﻘﻮه.

ﻓﻠﻤﺎ ﺩﺧﻞ ﻗﺎﻝ ﻋﻨﺪﻛﻢ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻭﻣﺎ ﺗﺼﻨﻊ ﺑﻤﻴﻤﻮﻧﺔ ﺍﻟﻤﺠﻨﻮﻧﺔ ﻫﻲ ﺗﺮﻋﻰ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺗﺸﺘﺮﻱ ﺑﺄﺟﺮﺗﻬﺎ ﺗﻤﺮﺍ ﻓﺘﻔﺮﻗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺗﺼﻌﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﻟﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺪﻉ ﺃﺣﺪا ﻳﻨﺎﻡ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺒﻜﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﺡ، فقال ﻟﻬﻢ ﻓﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﺣﻬﺎ ؟ ﻗﺎﻟﻮا ﺗﻘﻮﻝ ﻋﺠﺒﺎ ﻟﻠﻤﺤﺐ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺎﻡ ؟ ﻛﻞ ﻧﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﺐ ﺣﺮﺍﻡ، ﻓﻘﺎﻝ والله ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻡ اﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ ﺩﻟﻮﻧﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺍﺭﻱ ﺗﺮﻋﻰ ﺍﻷﻏﻨﺎم ﻓﺨﺮﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻮﺟﺪﻫﺎ ﻗﺪ ﺍﺗﺨﺬﺕ ﻣﺤﺮﺍﺑﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﺼﻠﻲ ﻓﻴﻪ ﻭﺭﺃﻯ ﺍﻟﻐﻨﻢ ﺗﺮﻋﻰ ﻭﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﺗﺤﺮﺳﻬﺎ ﻓﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺮﻏﺖ ﻣﻦ ﺻﻼﺗﻬﺎ ﻗﻠﺖ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﻣﻴﻤﻮﻧﺔ، قالت ﻭﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻳﺎ ﺭبيع، ﻗﻠﺖ ﻛﻴﻒ ﻋﺮﻓﺖ اﺳﻤﻲ؟ ﻗﺎﻟﺖ ﺳﺒﺤﺎﻥ الله ﻋﺮّﻓﻨﻲ ﺑﺎﺳﻤﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺒﺮﻙ ﺍﻟﺒﺎﺭﺣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ﺃﻧﻲ ﺯﻭﺟﺘﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﻮﻋﺪ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺍﻟﻤﻮﻋﺪ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻏﺪﺍ ﻓﻲ الجنة، ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﺑﺎﻟﻐﻨﻢ ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻤﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﺣﺒﻪ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﻭاﺣﺘﻜﻢ، ﺗﺮﻛﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻓﺄﺻﻠﺢ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﻭﺍﻟﻐﻨﻢ.

ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ ﻳﺎ ﺭﺑﻴﻊ أﺳﻤﻌﻨﻲ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺳﻴﺪﻱ ﻓﻘﺪ ﺍﺷﺘﺎﻗﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻘﺮﺃﺕ قوله تعالي “يا ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﺰﻣﻞ، ﻗﻢ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼ” ﻭﻫﻲ ﺗﺴﻤﻊ ﻭﺗﺒﻜﻲ ﻭﺗﻄﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ “ﺇﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺃﻧﻜﺎﻻ ﻭﺟﺤﻴﻤﺎ ﻭﻃﻌﺎﻣﺎ ﺫﺍ ﻏﺼﺔ ﻭﻋﺬﺍﺑﺎ ﺃﻟﻴﻤﺎ” ﻓﺼﺮﺧﺖ ﺻﺮﺧﺔ ﻭﺧﺮﺕ ﻣﻴﺘﺔ، ﻓﺘﺤﻴّﺮت ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻓﺠﺎﺀﺕ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻧﺤﻦ ﻧﻐّﺴﻠﻬﺎ ﻭﻧﺠﻬّﺰﻫﺎ، ﻓﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻋﺮﻓﺘﻦ ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ ؟ ﻗﻠﻦ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ ﺩﻋﺎﺋﻬﺎ ﻭﻫﻲ تقول ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ ﺗﻤﺘﻨﻲ ﺇﻻ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ، فلما ﺳﻤﻌنا ﺑﺤﻀﻮﺭﻙ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﺃن الله ﺍﺳﺘﺠﺎﺏ ﺩﻋﺎﺀﻫﺎ، فيجب أن نحاسب أنفسنا، وأن نتدارك ما فات بالعمل المثمر النافع لنا ولأبناء وطننا ولآخرتنا ولدنيانا، وأن لا نكون صُما بُكما تمر علينا الحوادث وتنصرم أمامنا الأعوام والأيام من غير أن ندرك لها معنى، أو نتعظ بها، فيجب أن ندرك أن الحياة ليست نوما وأكلا وشربا فقط، فارفعوا من شأن أنفسكم وأعملوا أيديكم وأذهانكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى