مقال

الدكروري يكتب عن من المقاصد الإسلامية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن من المقاصد الإسلامية

بقلم / محمــــد الدكـــــروري

 

إن من المقاصد الإسلامية العظيمة التي جاء الاسلام بها ويجب أن يتعلمها كل مسلم ومسلمة وهي نعمة الأمن وما غاب الأمن إلا أدي إلي تفشي الهوي والجهل وكثرة الشبهات وعدم الفهم الجيد والصحيح لمقاصد الشريعة واستنباط الأحكام حتي وإن كان متعلما، وتسبب ذلك في ظهور الفتن والهرج والقتل دون مراعاة لهذه المقاصد، ومن أجل ذلك فكل عمل تخريبي يستهدف الآمنين يعتبر مخالفة شرعية والتي جاءت بعصمة الدماء سواء المسلم أو المعاهد أو أهل الذمة، فأهمية الأمن المجتمعي قد تجاوزت الحقوق لتجعله فريضة إلهية وواجبا شرعيا وضرورة من ضرورات استقامة العمران الانساني وإقامة مقومات الحياة الأساسية لاقامة الدين، فيترتب علي صلاح الدنيا بالأمن، وصلاح الدين وليس العكس كما يدعي الكثيرون، فالأمن هو طمأنينة النفس وزوال الخوف، ويكون الأمن في مقابلة خوف العدو بخصوصه، والأمن يتعلق بالمستقبل.

 

والأمن نعمة عظيمة، بل يكاد يكون من أعظم النعم لأن مقتضاه الأمن النفسي والطمأنينة والسكينة التي يستشعرها الإنسان، فيزول عنه هاجس الخوف، ويحس بالرضا والسعادة، والشعور بالأمن غاية في الأهمية، ومن ثم فقد جعله الله عز وجل نعمة جليلة، يتفضل بها على بعض خلقه، وجعل فقد هذا الأمن نقمة ينتقم الله بها من بعض خلقه العاصين أو الكافرين، ولكون الأمن ضروريا للحياة، قرنه الله بالطعام والأموال والأولاد في أكثر من موضع، بل قدمه عليها في مثل قوله تعالى فى سورة البقرة ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين” فتأمل كيف بدأ بضد الأمن وهو الخوف ؟ لأن الحياة بدون أمن وأمان قاسية مرة، بل شديدة المرارة، لا يمكن أن تطاق، ولقد امتن الله على قريش قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بأن هيأ لهم الأمن، وامتن عليهم به وخاصة بعد حادثة الفيل.

 

حيث نصر الله قريشا على النصارى أبرهة الحبشى وأصحابه ولكن لا بيد قريش لأنهم كانوا يعبدون الأصنام، وإنما بنصر من عنده تعالى لا يد لقريش فيه، فقال تعالى ” ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول” فعاشت قريش بعد هذا آمنة، لا ينالها أحد بسوء، بل كان الناس من حولها يتخطفون بالحرب والنهب والخوف والقلق، وهي آمنة عند الكعبة، بل تعدى الأمن إلى قوافلها التجارية في رحلة الشتاء والصيف، فكانت تسير آمنة لا يعرض لها أحد بسوء لأنها تجارة قريش أهل البلد الأمين، فقال تعالى فى سورة الهنكبوت ” أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون” ولكن كيف قابلت قريش هذه النعمة العظيمة الفريدة التي عاشت في ظلالها دهرا، وتبرز عظمة هذه النعمة إذا علم أن الفوضى القبلية.

 

كانت تسود باقي مناطق الجزيرة العربية، ففي غير مكة، كان السلب والنهب، وكانت الهجمات المفاجئة جزءا من حياة تلك القبائل، وكانت الحروب تقوم لأتفه الأسباب وفي مثل هذه الأجواء القائمة تظهر قيمة الأمن والهدوء والطمأنينة التي كانت قريش تعيشه في بلدها، بل وفي قوافلها خارج بلدها، وبعث الهادي البشير صلى الله عليه وسلم في أم القرى مكة، ودعا قومه إلى الإسلام وإلى هذا النور الذي جاءهم من الله تعالى، وأمرهم بتوحيد الله تعالى وترك عبادة الأصنام والطواغيت، وكان مما اممتن الله به على قريش نعمة الأمن هذه، فقال تعالى “لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” فهم آمنون في بلدهم، وفي رحلات قوافلهم في الشتاء والصيف إلى اليمن وإلى الشام، فأمرهم تعالى بعبادة رب هذا البيت الذي أنعم عليهم بنعمة الأمن والأمان، فكيف لا يتدبرون هذه النعمة.

 

وكيف يقابلونها بهذا الكفران، حيث جعلوا مكة بلد الله الأمين مسرحا للأصنام، وعبادة غير الله تعالى، مع كفران بنعمة الله ورفض لعبادته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ وقيل أن قريش قد حولوا بيت الله الحرام والكعبة نفسها إلى منتدى للطاغوت، فأحاطوا الكعبة بالأصنام، التي تعبد من دون الله تعالى وأي كفر أعظم من هذا الكفر، وأي محادة لله تعالى أكبر من هذه المحادة ؟ وأن قريش أصبحت تحارب عباد الله المؤمنين في بلد الأمان مكة، فانقضت على الصحابة السابقين إلى الإسلام تسومهم وتسوم أسرهم سوء العذاب فحولوا بلد الأمان إلى رعب وخوف للمؤمنين الصادقين مكة التي كان يأمن فيها الخائف حتى إن الرجل كان يرى قاتل أبيه في مكة ولا يستطيع أن يتعرض له بسوء لأنه في بلد الأمان مكة، ولكن بماذا أجابوا أهل قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الهدى وإلى الايمان بالله والكفر بالطاغوت، وذكرهم بنعم الله الكثيرة.

 

ومنها الأمان العظيم الذي يعيشونه دون بقية القبائل؟ فقال تعالى فى سورة القصص عن قريش “وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ” فإن قريش التي تعيش آمنة في ظل بيت الله الآمن، لم تشكر الله على هذه النعمة الظاهرة بحيث تستجيب لنداء الإيمان، بل استخدمت هذه النعمة في الكفر والشرك بالله تعالى، واحتجت على ذلك بحجة عجيبة احتجت بأنها إن استجابت للرسول واتبعته على ما جاء به من الهدى حاربتها القبائل الأخرى وقاتلتها وأفقدتها هذا الأمن والأمان، فالكفر عند قريش هو الذي يحقق الأمن والأمان، أما الإسلام والهدى والإيمان فإنه يؤدي إلى نقيض هذا الأمان، فيعرضهم للمخافة، ويغري بهم الأعداء، ويفقدهم العون والنصير، بل ويعود عليهم بالفقر والبوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى