مقال

الدكروري يكتب عن العقل بين العلم والتخصص

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن العقل بين العلم والتخصص

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن كل أمر شرعي يخطر في بالك أيها الإنسان أنه يعارض الفطرة، يجب عليك أن تعلم أنه لا يخلو من أحد احتمالين، فإما أنه أمر شرعي، ولا يخالف الفطرة الصحيحة المستقيمة، فمخالفته للفطرة وهم، وإما أنه يخالف الفطرة فعلا، ولكنه لا يكون أمرا شرعيا، وإن نسبة الناس إلى الدين بغير علم ولا هدى، فالعقل يحتاج إلى العلم والتخصص، حتى تتسع مداركه وأفهامه، فالعلوم كثيرة، والتخصص يجعل صاحبه ما بين إصابة الحق على نحو قطعي وحصري، وما بين الظن العلمي القائم على المعطيات والحيثيات، والأدلة المحترمة والمعترف بها لدى أهل التخصص، على حين أن ظنون غير المتخصص كثيرا ما تبنى على مشاعر خاصة، وانطباعات وأهواء شخصية، والفرق بين هذه وتلك كبير جدا، فالعلم لا يحصله طالبه إلا بعد أن يبذل من المشقة والزمن الطويل، وتجارب الحياة كي تنضج تحتاج إلى زمن كافى.

 

فالعلم الذي بين السطور لا يستفاد منه إلا مع التجارب العديدة، التي معها قد يكون العقل قد وصل إلى مرحلة النضج العقلي، وقد قال الله تعالى فى سورة الأحقاف ” حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنه قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك وإنى من المسلمين” وكما كان حكيم اليونان الأكبر سقراط يقول “إذا أردت أن تحصل على رجل ناضج، فإن عليك أن تنتظر خمسين سنة” وبالرغم من أن هذا القول رمزي، إلا أن المراد منه الإشارة إلى أن الحصول على النضج الذي نريده يحتاج إلى وقت ولكن من خلال تنمية العقل، ومن خلال توسيع قاعدة الفهم، والنضج العقلي هو كالنضج النفسي، ليس محدودا بحدود، ومهما شعرنا أننا نفهم الأمور على نحو تام وعميق، فإننا سنظل جاهلين في طرف منها فكل الحوادث والأشياء والمواد تشتمل على عنصر غيبي.

 

وهذا العنصر يحول دون الحصول على المعرفة الكاملة، حيث قال الله تعالى فى سورة يوسف ” نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم” فالعقل السوي الذي قد نضج مع العلم والإيمان، هو العقل الذي لا يتعارض مع النقل، أما الذي قد امتزج بالهوى والمعاصي، فيأبى أن يذعن للفطرة السوية لكثرة الران الذي قد كساه، حيث قال الله تعالى فى سورة المطففين ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” ولقد ظن الإنسان نتيجة التقدم العلمي المذهل أنه قادر على كل شيء، حيث أصبح هنالك من يدعو للتمرد على شريعة الله، وعلى منهج الأنبياء والرسل، بحجة أن في الانقياد لمنهج الأنبياء والرسل حجرا وامتهانا لهذا العقل البشرى الجبار، الذي استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه من هذا التقدم العلمي المذهل، وبحجة أن البشرية والإنسانية قد بلغت مرحلة الرشد، التي تؤهلها لأن تختار لنفسها من المناهج، والقوانين، والأوضاع ما تشاء.

 

وبحجة ثالثة، ألا وهي أن مناهج الدين لم تعد تسايِر روح العصر المتحررة المتحضرة، فلنتأمل ولنتفكر في قدرة الله تعالى ولنتأمل في عقولنا كم هي محدودة، فلنكرمها بطاعة الله وحده، وامتثال شرعه الحنيف دون إبطال أو تأويل وإن خلاصة قول أهل العلم “لا يتعارض النقل الصريح مع العقل الصحيح” فالشريعة قد حفظها الله من تأويل المتأولين، وإبطال المبطلين، أما العقل، فمتغير يتأثر بالهوى وزخرف القول والمعاصي، أو يُعلى شأنه بالعلم والتفكر، وأتم الناس ذوقا وتذوقا، وأكملهم عقلا وفهما، هو الذي يصل بعقله إلى الهداية الحقيقية، فيعرف أن ربه ورب الكون كله هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وأنه خالق الأكوان، معلم البيان، مالك الجنان، والحاكم عليه، فيؤمن به وحده، ويقنع به، ويستغني به عمن سواه، ويعتز بالقرب منه والانتساب إليه، ويخاف من البعد عنه، فإذا وصل إلى هذه المنزلة.

 

علم أن الرسل من عظيم نعم الله على خلقه، ليعلموا من جهل، ويذكروا من نسي، ويبشروا من استجاب وأناب، وينذروا من أعرض وتولى، وأن ما جاؤوا به من معجزات فهي أَمارات دالة على صلتهم بربهم، وأنه من الطبيعي أن يكونوا من البشر المألوفين حتى لا يلتبس عليهم الأمر، فإذا افتتن الناس بالأنبياء من البشر فاتخذوهم آلهة، فما بالكم لو كانوا أعظم خلقة، وأغرب من البشر في الطبائع؟ فكيف يكون الأمر؟ فسوف يكونون أشد فتنة بهم، ثم إن مخالفة الطبائع والأجناس أدعى إلى الخوف والنفور والبعد والتولي، فلذلك ولأسباب أخرى يعلمها اللطيف الخبير جعلهم الله بشرا، وبعد إدراكه لهذه الأمور مع ثبوت الرسالة بالآية والعلامة، وكمال الأوصاف والدلالة، لم يجد بُدا من اتباع رسله، فهم سبيل الوصول إليه والمعرفة به، فيعمل بطاعتهم، وينتهي عن مخالفتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى