مقال

الدكروري يكتب عن الإعتداء علي المال العام 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإعتداء علي المال العام

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من مظاهر الإعتداء علي المال العام هو الإهمال، فلا يبذل الموظف جهده لأداء عمله، وكل من أهمل أداء عمله فهو معتدى على المال العام، فنقول لمن يفعل ذلك عمدا أو عفوا وتساهلا اتق الله في المال العام؟ هل هذا هو ردك لجميل من وثق بك وبأمانتك ووضعك في هذا المكان؟ استمع لتطبيق السلف لمبدأ الورع عن المال العام فهذا عمر بن عبد العزيز جاءه أحد الولاة وأخذ يحدثه عن أمور المسلمين وكان الوقت ليلا، وكانوا يستضيئون بشمعة بينهما، فلما انتهى الوالي من الحديث عن أمور المسلمين وبدأ يسأل عمر عن أحواله قال له عمر انتظر، فأطفأ الشمعة، وقال له الآن اسأل ما بدا لك، فتعجب الوالي وقال يا أمير المؤمنين لم أطفأت الشمعة؟ فقال عمر كنت تسألني عن أحوال المسلمين وكنت أستضيء بنورهم، وأما الآن فتسألني عن حالي فكيف أخبرك عنه على ضوء من مال المسلمين؟ وجاءوا له يوما بزكاة المسك فوضع يده على أنفه.

 

حتى لا يشتم رائحته ورعا عن المال العام، فقالوا يا أمير المؤمنين إنما هي رائحة، فقال وهل يستفاد منه إلا برائحته؟ فأين هؤلاء؟ وأين من نظر للمال العام بأنه غنيمة باردة فأخذ ينهب منها بغير حساب؟ فأوصيكم ونفسي ولست بخيركم أن نتقي الله في المال العام الذي بين أيدينا وإني أعلم أن بعضنا قد يأخذ من المال العام لا على سبيل قصد السرقة والغلول ولكن على سبيل التساهل وعدم الالتفات إلى القضية على اعتبار أنها من المحقرات فأقول لا بد لنا من الحيطة والحذر قبل أن نفجأ في ذلك اليوم العظيم بتكاثر تلك المحقرات على رقابنا فيطول حسابنا وقد تعظم الندامة ويتمنى المرء في تلك اللحظات أن لو دفع ماله كله ولا يقف مثل ذلك الموقف وإني لأعرف رجالا إذا تسلم أحدهم مرتبه أخرج نسبة منه تطهيرا له من تقصير ارتكبه في عمله أو لاستخدامه بعض مرافق العمل لأمور خاصة، ألا فليتقى الله رؤساء المصالح العامة الذين يستخدمون سيارات العمل.

 

والوقود الخاص بها في قضاء مصالحهم الشخصية، وليتقى الله الذين يصممون مشاريع على الورق يستنزفون من خلالها أموال البلاد، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لتنظر مدى حاجته للمال العام ومدى ورعه فيه، فقد مرض يوما، فوصفوا له العسل كدواء، وكان بيت المال به عسلا، جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحه الأطباء، حتى جمع الناس وصعد المنبر واستأذن الناس وقال إن أذنتم لي، وإلا فهو عليّ حرام، فبكى الناس إشفاقا عليه، وأذنوا له جميعا، ومضى بعضهم يقول لبعض لله درك يا عمر، لقد أتعبت الخلفاء بعدك، ووقف ذات يوم يخطب في الناس فما كاد يقول أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، حتى قاطعه أحدهم قائلا لا سمع ولا طاعة يا عمر، فقال عمر بهدوء لم يا عبد الله؟ قال لأن كلا منا أصابه قميص واحد من القماش لستر عورته وعليك حلة، فقال له عمر بن الخطاب مكانك، ثم نادى ولده عبد الله بن عمر.

 

فشرح عبد الله أنه قد أعطى أباه نصيبه من القماش ليكمل به ثوبه، لأن عمر طويل ولم يكفه نصيبه، فاقتنع الصحابة وقال الرجل في احترام وخشوع الآن السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، ولكن هذا الزمان وصفه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فعن أبى هريرة رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال “يأتى على الناس زمان لا يبالى المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام” رواه البخارى، فهذا عن واجبنا نحو المال العام، أما المال الخاص فحدث عنه ولا حرج ولا سيما في الريف، وذلك بالتعدي على أراضي الغير دون وجه حق، فهو حرام أيضا وهو من أكل أموال الغير بالباطل، كما روى مسلم وأحمد والنسائى عن الإمام على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال “لعن الله من غير منار الأرض” وفى رواية أخرى ” لعن الله من غير تخوم الأرض” ومعنى تغيير تخوم الأرض أو منار الأرض وهى العلامات التي توضح حدود الأراضي.

 

وممتلكات الناس، فيأتي أحدهم فيزحزح العلامة حتى يستفيد من أرض جاره، فجاء لعنه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم لأنه اقتطع من مال أخيه بغير حق، فمن يغير هذه العلامات يلعن، فما بالنا بمن يسرقها؟ لذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم “من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه من سبع أراضين” رواه البخارى ومسلم، وإن كثيرا من الناس يتلاعب بذلك ويتخصص في رفع قضايا بمستندات تحسبها رسمية صحيحة وهي في الحقيقة مزورة ليقتطع بها مال المسلم وأرضه وداره، وقد حذرنا الشرع الحكيم من ذلك، وليعلم كل من ظلم حقا من مال أخيه أو مال الدولة ومال المسلمين أن الله لا يتركه حتى يؤدي ما عليه في الآخرة، ألا فبادر بالتوبة، فباب التوبة مفتوح لكل من أخذ مالا خاصا من أخيه، أو عاما من الدولة، أن يرد ما أخذ من مظالم لأهلها، فهذا من تمام التوبة، قبل أن يحمل مظلمته على رقبته في الآخرة ويُفضح بها على رؤوس الخلائق يوم القيامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى