مقال

الدكروري يكتب عن أقوى أسباب دفع المكروة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أقوى أسباب دفع المكروة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد حثنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، على أن نسأل الله تعالى كافة حاجتنا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع” ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وتكايس بعضهم وقال الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض، يثيب الله عليه الداعي، من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما، ولا فرق عند هذا المتكايس بين الدعاء وبين الإمساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب، وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت ولا فرق، وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه وتعالى أمارة على قضاء الحاجة.

 

فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد قضيت، وهذا كما إذا رأيت غيما أسودا باردا في زمن الشتاء، فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يُمطر، قالوا وهكذا حكم الطاعات مع الثواب، والكفر والمعاصي مع العقاب، لا أنها أسباب له، وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار، والحرق مع الإحراق، والإزهاق مع القتل، ليس شيء من ذلك البتة، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه، إلا مجرد الاقتران العادي، لا التأثير السببي، وخالفوا بذلك الحس والعقل، والشرع والفطرة، وسائر طوائف العقلاء، بل أضحكوا عليهم العقلاء، فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء، لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب، ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم، وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يستنصر به على عدوه، وكان أعظم جنديه، وكان يقول لأصحابه” لستم تنصرون بكثرة، وإنما تنصرون من السماء ” وكان يقول إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ” فمن الهم الدعاء فقد أريد به الإجابة، فإن الله سبحانه يقول ” وقال ربكم ادعونى أستجب لكم” وقال تعالى فى سورة البقرة ” وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان” وقال الإمام الغزالي رحمه الله في “كتاب الإحياء” فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة، كما أن الترس سبب لرد السهام، والماء سبب لخروج النبات من الأرض، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان، وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح.

 

وقد قال تعالى “وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم” كما أنه ليس من شرطه أن لا يسقي الأرض بعد بث البذر، فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر، والذي قدر الخير قدره بسبب، والذي قدر الشر قدر لرفعه سببا، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته، ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الدعاء مخ العبادة” والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة، فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض، فالحاجة تحوج إلى الدعاء، والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالنضرع والاستكانة، فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات.

 

ولذلك صار البلاء موكلا بالأنبياء عليهم السلام، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل، ويمنع من نسيانه، وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، وإن الضلال المبين لمن صرف الدعاء لغير الله رب العالمين، ويقول ابن القيم رحمه الله في كتابه “الجواب الكافي” حقيقة الشرك هو التشبيه بالخالق والتشبيه للمخلوق به، هذا هو التشبيه في الحقيقة، لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه به رسوله، فعكس الأمر من نكس الله قلبه وعمى عين بصيرته، وأركسه بكسبه، وجعل التوحيد تشبيها، والتشبيه تعظيما وطاعة، فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الألوهية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى