مقال

الدكروري يتكلم عن إقرار القلب

جريدة الاضواء

الدكروري يتكلم عن إقرار القلب

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن إقرار القلب متفاوت، وكذلك الأقوال والأعمال، فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره، ومن اجتهد في العبادة، وداوم على الطاعة، ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات، وأسباب زيادة الإيمان كثيرة، منها معرفة أسماء الله وصفاته، فإذا علم العبد صفة الله ” البصير ” ابتعد عن معصية الله تعالى، لأنه يستشعر مراقبة الله له، وإذا قرأ في كتاب الله قوله “قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير” اطمأن قلبه، ورضي بقضاء الله وقدره، ومنها كثرة ذكر الله تعالى لأنه غذاء القلوب وقوت النفوس مصداقا لقوله تعالى “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” سورة الرعد، ومن أسباب زيادة الإيمان النظر في آيات الله في الكون والتأمل في خلقه.

 

كما قال تعالى “وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون” من سورة الذاريات، ثم تناول الحديث مرتبة الإحسان وهي أعلى مراتب الدين وأشرفها، فقد اختص الله أهلها بالعناية، وأيدهم بالنصر، فقال عزوجل “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” سورة النحل، والمراد بالإحسان هنا قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” وهذه درجة عالية ولا شك، لأنها تدل على إخلاص صاحبها ودوام مراقبته لله عزوجل، ثم سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها، فبيّن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنها مما اختص الله بعلمه وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ، لكنه بين شيئا من أماراتها فقال ” أن تلد الأمة ربتها ” يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا، وهذه البنت تصبح سيدة تملك الإماء.

 

وهذا كناية عن كثرة الرقيق، وقد حصل هذا في الصدر الأول من العهد الإسلامي، أما العلامة الثانية ” وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ” ومعناه أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل للغنى ولا للتطاول، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة، والقصور الباهرة، وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان الشرعي أنها مركبة من قول وعمل، والقول قسمان قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام، والعمل قسمان عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة.

 

فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سرا وجهرا، ويقولون ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به، وإن من علامات الإيمان هو محاربة المنكرات، ونشر الخير، والدعوة إلى المعروف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم، ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون.

 

ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل” ومن الناس من حظه من الإيمان مجرد الإقرار بوجود الخالق، وأنه الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وهذا لم ينكره حتى عباد الأوثان والأصنام، وآخرون إيمانهم مجرد النطق بالشهادتين، دون عمل أو متابعة أو استجابة لله تعالى ولرسوله، وآخرون إيمانهم عبادة لله تعالى على وفق أذواقهم، ومواجيدهم وما تهواه نفوسهم، من غير تقيد بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من عند الله سبحانه وتعالى، ومنهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسلافهم كائنا ما كان، ولو كان مخالفا للشرع الحنيف، ومنهم إيمانهم مكارم أخلاق، وحسن معاملة، وطلاقة وجه، ومنهم إيمانهم تجرد من الدنيا وعلائقها،

 

وتفريغ للقلب منها، والزهد فيها، فمن كان هكذا جعلوه من سادات أهل الإيمان، وإن كان منسلخا من ربقة الإيمان علما وعملا، وهذه رهبانية ابتدعوها ما كتبها الله عليهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى