مقال

الدكروري يكتب عن غمرة الغفلة ولهثة الحياة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن غمرة الغفلة ولهثة الحياة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن كلنا اليوم في ابتلاء وامتحان ولكننا في غمرة الغفلة وفي لهثة الحياة ننسى أننا في امتحان فننسى أنفسنا وننسى الصواب ونقع في الخطأ ونترك الحق ونفعل الباطل ونغفل عن الهدف الحقيقي الذي من أجله خلقنا ونحكم على الأمور بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ونرتكب المعاصي الظاهرة والمحرمات الواضحة وكأننا لسنا في امتحان، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على حسب دينه أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وإن الموقف رهيب وإن المسؤولية عظيمة والأمانة التي حملناها كبيرة والامتحان صعب وعسير وكلنا سيودع هذه الحياة وسيخرج بعد امتحان الدنيا إلى امتحان أعظم وأكبر يكون بين يدي الله فمن فاز في امتحان الدنيا سيفوز في امتحان الآخرة ومن سقط في امتحان الدنيا سيسقط في امتحان الآخرة.

 

وإن امتحان الآخرة يبدأ من حين البلوغ ولا ينتهي إلا إذا انتهى العمر الذي حدده الله للإنسان في هذه الحياة فلابد للإنسان أن يوطن نفسه لهذا الامتحان ويعلم أن هذا الامتحان فيه كثير من المصاعب والعوائق والمحن، فعليه أن يتحمل هذه المصاعب ويستعد لهذه العوائق حتى لا يتفاجأ بها فينهار أو يرتبك إذا وقعت له لأنه لم يدخلها في حسبانه وتخطيطه يقول السعدي رحمه الله في قوله تعالى ” لتبلون فى أموالكم وأنفسكم” يخبرهم بذلك لتتوطن أنفسهم على وقوع ذلك والصبر عليه إذا وقع لأنهم قد استعدوا لوقوعه فيهون عليهم حمله وتخف عليهم مؤنته ويلجئون للصبر والتقوى، أما طبيعة هذا الامتحان فقد بينها الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى ” ونبلوكم بالشر والخير فتنة” وهذا يعني أن الامتحان ليس بالضرورة يقع بالشر والفتن والمصائب.

 

وإنما يقع أيضا بالمنح والخير فالابتلاء بالخير أشد وطأة من الابتلاء بالشر فكم من الناس يصمدون للابتلاء بالشر ولكنهم لا يصمدون للابتلاء بالخير، فإن كثير منا يبتليه الله بالمرض فيصبر ولكنه لا يصبر على الابتلاء بالصحة كثير منا يبتليه الله بالضعف فيرضى لكن عندما يبتليه بالقوة يبطش ويطغى كثير منا يصبر على الابتلاء بالفقر لكنه يتهاوى عند الابتلاء بالغنى كثير منا ينجح في امتحان الضراء لكنه يخفق عند امتحان السراء كثير منا ربما لا يرهبه التهديد والوعيد ولكنه يسقط عند الإغراء بالمناصب والمتاع والثراء، ومن ابتلي بولد عاق فليذكر قصة نبى الله نوح عليه السلام مع ولده, فقال الله تعالى فى سورة هود ” ونادى نوح ابنه وكان غى معزل يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين”

 

ومن ابتلي بوالد كافر عاص فليتأسى بقصة الخليل إبراهيم عليه السلام مع أبيه آذر، فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة الأنعام ” وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر آتتخذ أصناما آلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين” وأيضا من ابتلي بأذى قومه فليتسلى بقصص الأنبياء مع قومهم , فقال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام فى سورة الأنبياء ” قالوا حرقوه وانصروا ألهتكم إن كنتم فاعلين، قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم، وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين” وقال الله عز وجل عن نبيه موسى عليه السلام فى سورة الأحزاب ” يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها” وقال تعالى عن حبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم فى سورة التوبة ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”

 

وقال عز وجل فى سورة التوبة أيضا ” ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم” وهكذا فقد تنوع الابتلاء وتعددت المصائب في حياة من جعلهم الله تعالى المثل والقدوة لجميع الناس، وقال ابن القيم الطريق طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرّ أيوب، وعالج الفقر وأنواع الأذى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى