مقال

الدكروري يكتب عن الإذن من الله بهجرة المؤمنين

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإذن من الله بهجرة المؤمنين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان الإذن بهجرة المؤمنين غير رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء من الله قبيل بيعة العقبة الثانية، أما الآن فصارت الهجرة لزاما على كل المستطيعين من المسلمين وبسرعة يشمل هذا الضعفاء والأقوياء، والفقراء والأغنياء، والرجال والنساء، والأحرار والعبيد، فالمشروع الكبير وهو مشروع بناء الدولة الإسلامية، حيث يحتاج إلى كل طاقات المسلمين، ولا يُسمح لمسلم أو مسلمة بالقعود عن المشاركة في بناء هذا الصرح العظيم، ولم تكن الهجرة أمرا سهلا ميسورا، فالهجرة كانت تعني ترك الديار، والأموال، والأعمال، والذكريات، وكانت تعني الذهاب إلى حياة جديدة يعلم الجميع أنها ستكون شاقة بل كانت تعني الذهاب إلى المجهول، فالدولة الناشئة قد تتعرض لحرب هائلة شاملة، يشترك فيها كل المشركين في جزيرة العرب بل قد تشارك فيها جنود الأرض كلها.

 

وهي الحرب التي صورها الصحابي الجليل العباس بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه على أنها الحرب للأحمر والأسود من الناس، فهذه هي الهجرة، ليست هروبا ولا فرارا بل كانت استعدادا ليوم عظيم، أو لأيام عظيمة لذلك عظم الله جدا من أجر المهاجرين، فقد قال الله تعالى فى سورة الحج “والذين هاجروا فى سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين، ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم” ولقد صدر الأمر النبوي لجميع المسلمين القادرين على الهجرة أن يهاجروا لكن لم يبدأ هو صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلا بعد أن هاجر الجميع إلى المدينة، فلم يكن من همّه صلى الله عليه وسلم أن ينجو بنفسه أولا، أو أن يؤمّن حاله، أو أن يحافظ على أمواله، إنما كان كل همّه صلى الله عليه وسلم أن يطمئن على حال المسلمين المهاجرين.

 

فكان يتصرف كالربّان الذي لا يترك سفينته إلا بعد اطمئنانه على أمن كل الركاب فالقيادة ليست نوعا من الترف أو الرفاهية، إنما هي مسئولية وتضحية وأمانة، ونستطيع أن نلاحظ ملامح مهمة لهجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وكان أبرز هذه الملامح الاهتمام بمسألة النية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه” ومع أن الهجرة للزواج ليست محرمة، ومع أن الهجرة لإصابة الدنيا الحلال ليست محرمة كذلك لكنها ليست كالهجرة لبناء أمة إسلامية، فهيهات أن يكون الذي ترك كل ما يملك ابتغاء مرضات الله وسعيا لإنشاء أمة إسلامية، ورغبة في تطبيق شرع الله تعالى في الأرض، كالذي عاش لحياته فقط، وإن كانت حياته حلالا.

 

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “من هاجر يبتغى شيئا فهو له” ثم قال “هاجر رجل ليتزوج امرأه يقال لها أم قيس، وكان يسمى مهاجر أم قيس” وليس هناك سند صحيح يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد هذه القصة تحديدا عندما تحدث عن هجرة رجل إلى امرأة ينكحها، ولا نعرف كذلك على وجه التحديد من هو الصحابي الذي فعل ذلك لكن المعنى صار واضحا لأن قصة مهاجر أم قيس ثابتة وإن لم نعرف صاحبها، فبدا بجلاء أن النية تغير من ثواب العمل وقبوله، وليس المهاجر لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كالمهاجر لأي شيء آخر، ومن الملامح المهمة كذلك في أمر هذه الهجرة الكاملة لكل المسلمين أنها لم تكن بهذا الشمول، إلا بعد أن أغلقت أبواب الدعوة تماما في مكة، فقد رأينا انغلاق هذه الأبواب تقريبا منذ ثلاث سنوات أي بعد موت أبي طالب وخديجة.

 

ومنذ ذلك التاريخ والرسول صلى الله عليه وسلم يخطط للهجرة، وكان من الممكن أن يكون مكان الهجرة مختلفا عن يثرب لو آمن وفد بني شيبان أو بني حنيفة أو بني عامر أو غيرهم ولكن الله تعالى أراد أن تكون الهجرة إلى هذا المكان لكن المهم هنا في هذه النقطة ملاحظة أن الهجرة لم تكن نوعا من الكسل عن الدعوة في مكة، فلو كانت السبل للدعوة مفتوحة ولو بصعوبة لكان الأولى البقاء لأداء الواجب تجاه أهل البلد ولكن هذا التوقف الكامل عن الدعوة كان هو السبب في البحث عن بديل عملي لنشر الدين، ويمكن لنا أن نلاحظ فرقا مهما بين الهجرة إلى يثرب والهجرة إلى الحبشة، فالهجرة هنا كانت لجميع المسلمين على خلاف هجرة الحبشة، التي كانت لبعض الأفراد دون الآخرين، والسبب أن طبيعة المكان وظروفه تختلف من الحبشة إلى يثرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى