مقال

الدكروري يكتب عن فِقه التخطيط والتنظيم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن فِقه التخطيط والتنظيم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن فِقه التخطيط والتنظيم وهو مبدأ سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراحل الدعوة جميعها، وفي كل ما كان يقوم به فقد بدأ بدعوة المقربين فالأقربين، وكذلك فِقه الاستشارة، فمن صفات القائد أنه لا يفرض رأيه، وإنما يستشير من حوله من أهل الخبرة والمعرفة، بما يحقق الغاية والهدف، وقد عمل النبى صلى الله عليه وسلم بذلك في جميع مراحل الدعوة، ومواقفها، وقد انتقلت من المرحلة السرية إلى المرحلة الجهرية، وذلك بنزول قول الله تعالى “وأنذر عشيرتك الأقربين” فما كان من قريش إلا أن تصدت لتلك الدعوة، وبدأت تعارضها بكل ما تملكه من الأساليب إذ لجأت إلى التهديد، والتخويف، والتذليل، وغيرها، ومع ذلك ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعوته، واستمر الجهر بالدعوة إلى حين الهجرة إلى المدينة المنورة.

 

وقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للضرب من قِبل قريش بحجة صبرهم على ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتقار آلهتهم، وسبّها كما يدعون، وقد دافع عنه آنذاك أبو بكر الصديق، وتصدى لهم، قائلا “أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟” وقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للإيذاء من قِبل عمه أبي لهب وزوجته، فقد كانا من أشد الأعداء للنبي صلى الله عليه وسلم، والدعوة، حتى نزل قول الله تعالى “تبت يدا أبى لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى نارا ذات لهب، وأمرأته حمالة الحطب، فى جيدها حبل من مسد” وقد تعرض الصحابة الكرام رضي الله عنهم لشتى أنواع التعذيب، فقد تعرض أبو بكر الصديق للأذى، وجُعل التراب على رأسه، وضُرب على وجهه، كما تعرض بلال بن رباح لمختلف أنواع الأذى.

 

وثبت على توحيد الله رغم ما تعرض له، إلى جانب العديد من الأمثلة، على صبر الصحابة على التعذيب في سبيل الدعوة، ومن مكة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها إلى الطائف في شهر شوال من السنة العاشرة للبعثة ليدعو أهلها إلى الإسلام، وتوحيد الله، ورافقه في تلك الرحلة زيد بن حارثة، وكان يدعو كل قبيلة يمر بها أثناء سيره، إلا أنهم رفضوا دعوته، كما رفضها أهل الطائف، وبقي فيها عشرة أيام إلى أن طردوه، وتبعه السفهاء منهم، وضربوه بالحجارة، وسبّوه، فتصدى لهم زيد بن حارثة، ووقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحميه حتى ضُرب في رأسه، وسارا حتى وصلا إلى حائط لعتبة بن ربيعة، وأخيه شيبة، فجلس رسول الله تحت شجرة عنب يستظل بظلها، ودعا ربه، فرقّ له قلبا عتبة وشيبة، فأرسلا له قطفا من العنب مع غلام نصراني يُدعى عداس.

 

فتناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأ بأكله، قائلا “باسم الله” فسأله عداس عما قاله متعجبا أن كلامه لا يصدر من أهل ذاك المكان، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن أصله ودينه، فأخبره أنه من أهل نينوى، وأنه يعتنق النصرانية، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نينوى هي بلاد نبي الله يونس عليه السلام، فتعجب الفتى وسأله عن صلته بيونس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي” ثم أخذ عداس يقبل يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدميه، وقال لابني ربيعة إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبره بما لا يعلم به إلا نبي، فلاموه وعاتبوه لرجوعه عن النصرانية، وفي طريق عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف أرسل الله إليه جبريل يستأذنه بأن يطبق على أهل مكة الجبلين، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض ذلك.

 

آملا أن يستجيب أحدهم لدعوته، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على استغلال موسم الحج في دعوة القبائل العربية إلى الإسلام، وكان يتحرى أماكن تجمع الحجاج، كالأسواق، مثل سوق عكاظ، وسوق مجنة، وسوق ذي المجاز، ومع كل الجهد الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، إلا أنه لم تستجب أي قبيلة لدعوته، وكانوا يردون عليه بأسوأ ما عندهم، ويؤذونه صلى الله عليه وسلم حيث كان يدعو القبائل واحدة واحدة، وكان يخبر كل واحدة منها أنه رسول من عند الله، ثم يدعوهم إلى عبادة الله تعالى، والابتعاد عن الشرك، وعن عبادة ما سواه، وأن يصدقوه، ويحموه، إلا أنهم رفضوا دعوته، وعاندوه، وأصروا على ما هم عليه، ولما أراد الله تعالى للدعوة الظهور والانتشار وتحقيق العزة والمنعة للنبي صلى الله عليه وسلم وللدعوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى