مقال

الدكروري يكتب عن المؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيبا

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيبا

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن المؤمن كالنحلة لا يأكل إلا طيبا، وشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالنحلة لأن المؤمن أكله طيب لا يأكل من الحرام، المؤمن أكله من الحلال المحض يتحرى الحلال، فلا يقع على حرام ولا شبهة، وإنما حلال خالص كما يقع النحل على الحلال الخالص، فيمص من رحيق الأزهار المتنوعة، ومن أسرار وحي الله تعالى إلى النحل أنه عز وجل قال في محكم كتابه “وأوحي ربك إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون” والمراد بالوحي هنا الإلهام والهداية والإرشاد إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها ومن الشجر ومما يعرشون.

 

ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديدها ورصها بحيث لا يكون بينها خلل، ثم أذن لها تعالى إذنا قدريّا تسخيريّا أن تأكل من كل الثمرات، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى لها مذللة أي سهلة عليها حيث شاءت في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة، ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة، بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل، فتبني الشمع من أجنحتها، وتقيء العسل من فيها، وتبيض الفراخ من دبرها، ثم تصبح إلى مراعيها” ومعاني هذه الآية الكريمة الحقيقة بالتفكر في أحوال النحل ونجد هنا كمال طاعتها وحسن ائتمارها لأمر ربها عز وجل، إذ اتخذت بيوتها في هذه الأمكنة الثلاثة في الجبال وفي الشجر وفي بيوت الناس حيث يعرشون.

 

أي يبنون العروش وهي البيوت، فلا يرى للنحل بيت غير هذه الثلاثة البتة، وكذلك اجتهادها في صنعة العسل، وبناؤها البيوت المسدسة التي هي من أتم الأشكال وأحسنها استدارة وأحكمها صنعة، فإذا انضم بعضها إلى بعض، لم يكن بينها فرجة ولا خلل كل هذا بغير مقياس ولا آلة ولا بيكار، وتلك من أثر صنع الله وإلهامه إياها وإيحائه إليها، وكذلك فإن أكثر بيوتها في الجبال وهو البيت المقدم في الآية، ثم في الأشجار وهي من أكثر بيوتها، ومما يعرش الناس، وأقل بيوتها بينهم حيث يعرشون، وأما في الجبال والشجر فبيوت عظيمة يؤخذ منها من العسل الكثير جدا، وما أداها إليه حسن الامتثال من اتخاذ البيوت أولا، فإذا استقر لها بيت خرجت منه فرعت وأكلت من الثمار ثم أوت إلى بيوتها لأن ربها سبحانه وتعالي.

 

أمرها باتخاذ البيوت أولا، ثم بالأكل بعد ذلك، ثم إذا أكلت سلكت سبل ربها مذللة لا يستوعر عليها شيء ترعى ثم تعود، ومن عجيب شأنها أن لها أميرا يسمى اليعسوب، لا يتم لها رواح ولا إياب ولا عمل ولا مرعى إلا به، فهي مؤتمرة لأمره سامعة له مطيعة، وله عليها تكليف وأمر ونهى، وهي رعية له منقادة لأمره متبعة لرأيه، يدبرها كما يدبر الملك أمر رعيته، حتى أنها إذا أوت إلى بيوتها وقف على باب البيت فلا يدع واحدة تزاحم الأخرى، ولا تتقدم عليها في العبور بل تعبر بيوتها واحدة بعد واحدة بغير تزاحم ولا تصادم ولا تراكم كما يفعل الأمير إذا انتهى بعسكره إلى معبر ضيق لا يجوزه إلا واحد واحد، ومن تدبر أحوالها وسياستها وهدايتها، واجتماع شملها، وانتظام أمرها، وتدبير ملكها.

 

وتفويض كل عمل إلى واحد منها يتعجب منها كل العجب، ويعلم أن هذا ليس في مقدورها ولا هو من ذاتها فإن هذه أعمال محكمة متقنة في غاية الإحكام والإتقان ومن عجيب أمرها أن فيها أميرين لا يجتمعان في بيت واحد، ولا يتأمران على جمع واحد، بل إذا اجتمع منها جندان وأميران قتلوا أحد الأميرين وقطعوه، واتفقوا على الأمير الواحد من غير معاداة بينهم ولا أذى من بعضهم لبعض بل يصيرون يدا واحدة وجندا واحدا، ومن أعجب أمرها ما لا يهتدي إليه الناس ولا يعرفونه، وهو النتاج الذي يكون لها هل هو على وجه الولادة والتوالد أو الاستحالة؟ فقل من يعرف ذلك أو يفطن له، فمن الذي أوحى إليها أمرها وجعل ما جعل في طباعها، ومن الذي سهل لها سبله ذللا منقادة لا تستعصي عليها ولا تستوعرها، ولا تضل عنها على بعدها، ومن الذي هداها لشأنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى