مقال

الدكروري يكتب عن النزاعات والصراع بين الناس

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن النزاعات والصراع بين الناس

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الاعتبار لا يقف عند حدود الفهم والانفعال الساكن ولكن يتعداه إلى مجال جديد من الفعل الواعي المتعظ بتجربة مشاهدة طمعا في النجاة وطلبا للمصلحة والنفع، لذا فالاعتبار عملية عقلية إيجابية تتخذ من المشاهدة والملاحظة خطوة أولى للحركة الواعية في المستقبل، ثم تلجأ إلى القياس بين الحالة المُشاهدة وبين الواقع كعملية عقلية وسيطة للوصول إلى نتائج يمكن الاستفادة منها مستقبلا، لذا فالاعتبار عملية تجمع بين النقد الواعي للماضي، والإدارك الجيد للحاضر، والنظر المتفائل للمستقبل، وكم من النزاعات والصراع بين الأصحاب والأصدقاء وكم حدث التهاجر بين الجيران بسبب عدم إقرار مرتكب الخطأ بخطئه وإصراره عليه، فعن المعرور بن سويد، قال لقيت أبا ذر بالربذة.

 

وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم “يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم” متفق عليه، وسنعترف بها حتما في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا ينفع فيه الندم والاعتذار والاعتراف بالأخطاء عندما نقف بين يدي الله يوم القيامة وعندما يعاين الناس العذاب، وإن من أعظم وأجل ما يبعث الوئام في النفوس، وما يُسترضى به الغضبان، ويستميل المحبوب، ويُتقى به المحذور بعد الله، هو الهدية، فإن الهدية هى التي تزيل غوائل الصدور.

 

وتذهب الشحناء من نفوس الناس بعد توفيق الله تعالى، وإن التهادي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وهو أمر معروف مشهور ثابت بالسنة الصحيحة الصريحة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب في قبولها والإثابة عليها، وكره ردّها لغير مانع شرعي، مهما كانت قليلة أو محتقرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ولو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت ” رواه البخاري، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة” والفرسن، هو عظم قليل اللحم، ففي هذا كله الحض على قبول الهدية ولو قلت، لما في ذلك من التأليف والتآلف، ولو كانت يسيرة لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت.

 

فالاقتصاد في الهدية سبب لدوامها، وشعور بالإحساس من المهدي بما لا يحـرج المهدي إليه، وربما حملت المبالغة في الهدية على ترك خير أو منع بر فهو لا يستطيع أن يحضر مناسبة فلان لأنه لا يستطيع أن يهديه، والمرأة في البيت تجاهلت مناسبة لإحدى قريباتها لأنها لن تهديها إلا هدية بثمن بخس والمجتمع لايقبل الرخيص كما زعموا، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على قبول الهدية لا سيما هدية الطيب فعن أنس رضي الله عنه قال، إن النبي صلى الله عليه وسلم ” كان لا يرد الطيب ” رواه البخارى، وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ثلاثة لا ترد الوسائد والدهن وهو يعني الطيب واللبن ” وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم.

 

“العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه” متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه ” رواه البخارى، وهذا الحديث أيضا يتناوله العلماء باختلاف ” العائد في هبته كالكلب يأكل ثم يقيء ثم يعود يلعق من قيئه” هذه الصورة نجد أن بعض الناس يقول أنه يجوز أن يعود في هبته، وهكذا مثل الكلب يعود، ولكن الكلب ما عليه لا حلال ولا حرام، فإنه لما يقيء ثم يرجع ويلعق من قيئه ليس حراما عليه، إذا لا مانع أن يعود الإنسان مع التقبيح والكراهة، والآخرون قالوا لا، جاء اللفظ ” ليس لنا مثل السوء” فالرسول صلى الله عليه وسلم، عندما يضرب المثل بكلب يقيء، وليس بكلب يأكل ثم يترك ثم يعود لما كان يأكله.

 

يعود لفريسته مرة أخرى، لا، وإنما يقيء، فكأن الذي وهب ما كانت هبته خالصة ولكن كأنها استخرجت منه بشدة، كالشخص الذي يقيء رغما عن أنفه، فيكون حينئذ أخرجها بغير اختياره، أو أخذت منه كرها عليه، فحينئذ يتطلع إليها، وهنا الذي يعود في هبته عام في جميع أنواع الهبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى