مقال

الدكروري يكتب عن جوف الليل الآخر

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن جوف الليل الآخر

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من أعظم أسباب دفع البلاء عن الأفراد والأمم هو الإصلاح في الأرض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على أيدي السفهاء فإن الله تعالى قال في الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ” أولئك سيرحمهم الله” وإذا رحمهم الله عز وجل لم يعذبهم، ولا يكثر الخبث إلا حين يُعطل الاحتساب على الناس، فلا يؤمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، كما يريد الكافرون المنافقون، وكما يدعو إليه دعاة الانحلال والفساد، وإن النزعة المادية، واللوثة الإرجائية التي حملها بعض المنتكسين والمنحرفين، ودعوا الناس إليها، وألحوا عليهم بها، وعظموا الدنيا في قلوبهم، وهونوا من شأن المعاصي في نفوسهم كانت أهم سبب لقسوة القلوب، وكثرة الذنوب، والجرأة على الشريعة.

 

ويُخشى على الناس من عقوبات ذلك إن انقادوا خلف هؤلاء المفسدين، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله “ولم يكن يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع، صلى من النهار إثنتي عشرة ركعة، وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة” وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الدعاء أسمع؟ قال ” جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات” وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ينزل ربنا تبارك كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر.

 

فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له” ومتى يبدأ الثلث الأخير من الليل؟ تحسب من أذان المغرب إلى صلاة الفجر، مثلا، اثنا عشر ساعة، فتقسم اثني عشر ساعة إلى ثلاثة أثلاث فتعتبر آخر أربع ساعات هي الثلث الأخير من الليل، وهذا يختلف باختلاف الصيف والشتاء، فتصوروا أن الملك العظيم الكبير المتكبر الرحمن الرحيم الوهاب المنان ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ماذا يقول ربنا سبحانه وتعالى؟ فيقول “هل من داعي فأستجيب له، وهل من سائل فأعطيه، وهل من مستغفر فأغفر له” فيا لها من لحظات مباركة، فإن الله عز وجل وهو الغني عنا ونحن الفقراء إليه، وإن الله عز وجل ينادي عباده “هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه”

 

وتجد هذا الإنسان العبد المذنب المقصر العاصي، مع ذلك تجده في نوم عميق والله عز وجل ينادي، ألا يستحي أحدنا من ربه جل في علاه، فإن الله يناديك الرحمن الرحيم الوهاب المنان يناديك “هل من داعي فأستجيب له، وهل من مستغفر فأغفر له” وتجد هذا الإنسان نائما غافلا ساهيا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن من كثرة الكوارث وتتابعها ماتت القلوب فأصبح كثير من الناس لا يأبهون بها، ولا يتعظون بما حلّ بأهلها، ولو أنهم قابلوا من خسروا في هذه الزلازل أسرهم وبيوتهم وأموالهم لعلموا حجم مصابهم، ولكن لا يُنقل إليهم إلا خبر الزلزال ومشاهد دماره، ويندر نقل أشجان الخاسرين في الكوارث، وكما أن الإنسان إذا مات له عزيز حزن عليه أشد الحزن، وبقيت ذكراه في قلبه إلى ما شاء الله تعالى.

 

وإن نسيه في وقت تذكره في وقت آخر، وربما تكررت رؤيته له في منامه، فكيف بمن فقد كل أحبته في كارثة من هذه الكوارث؟ فإذا لم نعتبر بما نرى ونسمع مما يقع من الكوارث فمتى نعتبر ومتى نتعظ؟ ولماذا لا نخاف أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، فيفقد الواحد منا كل شيء في لحظة، وليس أحد في مأمن من عقوبة الله تعالى، نعوذ بالله العظيم من زوال نعمته، وتحول عافيته، وفجاءة نقمته، وجميع سخطه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى