مقال

الدكروري يكتب عن حسن العبارة واللطف

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن حسن العبارة واللطف

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الأعمار مضروبة والآجال مقسومة، وكل واحد منا قد قسم له نصيبه في هذه الحياة، فهذا يعيش خمسين سنة، وذاك يعيش ستين سنة، وذاك يعيش عشرين سنة وأنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، وأنت تهدم في عمرك وتنقص من أجلك، وإنه للحفاظ على المشاعر فيما بيننا فإنه ينبغي علي الإنسان عند الكلام أن ننتقي أحسن العبارات، ولهذا لم يقل سبحانه وتعالى وقل لعبادي يقولوا الحسن، وإنما قال يقولوا التي هي أحسن، فلا بد أن ننتقي بحيث لا تجد كلاما أحسن ولا أروع ولا ألطف من هذا الكلام الذي سيخرج من فمك هذا الذوق الرفيع الذي يعلمنا إياه الإسلام، إنما يريد من وراء ذلك أن تكون حياة الناس حياة مفعمة ومليئة بالمشاعر والرقة، وحسن العبارة واللطف وطيب الحياة بإذن الله عز وجل.

 

ولهذا نجد نبي الله يوسف عليه والسلام وقد عانى ما عانى من إخوته وهو في مقام الثناء على الله عز وجل وفي مقام إظهار أنه انتصر بعد ذلك الكيد العظيم الذي حصل له من إخوته أنه بعد هذا لم يتشف بهم ولم يؤذ مشاعرهم إطلاقا وهو إذ يقول ممتنا بنعمة الله عز وجل كما جاء فى سورة يوسف ” وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم، رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولى فى الدنيا والآخره توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين” فلم يقل وأخرجني من الجب الذي أنتم رميتموني فيه، وإنما أسمعهم كلاما لا دخل لهم فيه وهو السجن الذي حصل له من الملك.

 

حينما كادت له النسوة وجاء بكم من البدو، وما قال وجاء بكم من المجاعة، وجاء بكم من الفقر وجاء بكم من الحاجة إليّ فأعطيتكم وفعلت وفعلت، ثم قال “من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي” نعم الشيطان هو الذي كاد وأعان إخوانه لكن المباشر في هذه الأذية هم إخوانه، كل هذا من الأدب الرفيع الذي أدب الله عز وجل به نبيه ويوسف عليه السلام أنه لم يؤذ مشاعرهم بالرغم من أنهم آذوه في مشاعره وآذوه في جسده، وتسببوا في بُعده من أبيه هذه السنين الطويلة ودخل السجن ولقي ما لاقى من الكيد، مع هذا لم يؤذ مشاعرهم إطلاقا، وأيضا أعترف أن من أصعب الأمور على نفسي فقدان احترامي لروح كنت أحمل لها الكثير من الاحترام، وأحتقر الناس الذين لا دموع لهم، فهم إما جبابرة أو منافقون.

 

وفي الحالتين هم لا يستحقون الاحترام، ولقد كان منهج القرآن هو التوجيه لاتخاذ قدوات يؤتسى بها ويسار على منوالها، وكذلك كان من منهج الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه كان يبرز للناس قدوات ليجعل منهم أسوة يتأسى الناس بها، وذلك من خلال مدح بعض أصحابه، بمزايا خاصة ليلفت نظر البقية للاقتداء بهم في ذلك، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قال ” أرأف أمتى بأمتى أبو بكر، وأشهدهم فى دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم على، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبى، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيده بن الجراح” وكان صلى الله عليه وسلم يأمر مباشرة بالاقتداء بأشخاص بعينها.

 

كأبي بكر وعمر، وفى قوله”اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر” وقوله ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ” رواه الترمذي، وقد كان السلف الصالح يعتنون أشدّ العناية بتتبع أحوال العلماء للاقتداء بهم والتخلق بأخلاقهم، فالقدوة الحية التي يراها الناس لها أثر كبير في بناء النفوس، وتهذيب الأخلاق، وقد كان أصحاب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يرحلون إليه، فينظرون إلى سمته وهديه ودله، فيتشبهون به، وكان بعضهم ربما يأتي العالم أو الزاهد والعابد لمجرد أن ينظر إليه فيتأثر بهديه وحاله ولحظه قبل لفظه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى