مقال

الدكروري يكتب عن الوفاء صدق اللسان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الوفاء صدق اللسان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من قرأ القرآن الكريم، وشاهد فيه سير الغابرين، ومصير المستكبرين، وتأمل سنن الله سبحانة وتعالى في المكذبين خاف عقوبته، وحاذر معصيته، ولم يأمن مكره، وأشد الخلق خوفا من الله تعالى، وأكثرهم اتقاء لعذابه أعلمهم بقدرته وقوته، وسرعة انتقامه، وشدة بطشه، وإلا فأهل الجهل والإعراض والاستكبار لا يرجون لله تعالى وقارا، ولا يخافون منه انتقاما حتى يبغتهم العذاب وهم في غيّهم، وقد استكبرت عاد فقالت ” من أشد منا قوة ” ورأوا بوادر العذاب ففرحوا به من جهلهم وقالوا ” هذا عارض ممطرنا” وقال كفار قريش ” اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم”

 

فأهلكهم الله تعالى، فما أعظم الفرق بين من عرف الله تعالى فعظمه، وبين من جهل به فأعرض عنه، وإن الوفاء هو أخو الصدق والعدل، وإن الغدر هو أخو الكذب والجور ذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معا، والغدر كذب بهما لأن فيه مع الكذب نقضا للعهد، وإن الوفاء هو إتمام العهد، وإكمال الشرط، ويقال أوفيته الشيء، إذا قضيته إياه وافيا، وتوفيت الشيء واستوفيته، إذا أخذته كله حتى لم تترك منه شيئا، وأوفى الكيل أي أتمه، ولم ينقص منه شيئا، والوفي الذي يعطي الحق ويأخذ الحق، والجمع أوفياء، والوفاء له قيمة إنسانية وأخلاقية كبيرة فهو يضع دعائم الثقة بين الناس، ويؤكد أواصر التعاون في المجتمع.

 

والوفاء يختص بالإنسان فمن فقد فيه الوفاء فقد انسلخ من الإنسانية، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قواما لأمور الناس فالناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش ولذلك عظم الله تعالى أمره، فإن الوفاء من صفات الله تعالى، وإن الوفاء هو سبيل الحسنات، والوفاء من صفات الأنبياء، والوفاء من صفات المؤمنين، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافَها، أتلَفه الله” البخاري، ومعنى أدى الله عنه، أى يسّر الله تعالى له ما يؤدى منه من فضله.

 

وأرضى صاحب الدّين في الآخرة، إن لم يستطع المدين الوفاء بدينه في الدنيا، ومعنى أتلفه الله، أى أذهب الله تعالى ماله في الدنيا، وعاقبه على الدّين يوم القيامة، فإنه لا عزة للأمة الإسلامية ولا مكانة لها ما دامت لا تضحي لدينها، ولا تثأر لعقيدتها، ولن تنال العزة والقوة والتمكين في يوم من الأيام، بالمال والجاه، أو الانهزامية، والخذلان، فقد خرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى الشام، وذلك حينما ذهب ليتسلم مفاتيح بيت المقدس وكان خليفة المسلمين آنذاك، وقال الراوي ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر بن الخطاب على ناقة، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه.

 

وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا؟ تخلع نعليك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك أي نظروا إليك وأنت على هذه الحال، فقال عمر بن الخطاب أوّه، لو يقول ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذلّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى