مقال

الدكروري يكتب عن يومئذ تحدث أخبارها

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن يومئذ تحدث أخبارها

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ليعلم المسلم أنه لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها، فيجتهد كل امرئ أن يري الله تعالي من نفسه خيرا، وليكن وثيق الصلة بالله حتى يكون ربانيا، وليكن نشيطا في العمل من أجل إرضاء الله تعالى فرديا وجماعيا، فإننا مدعوون اليوم للنهوض بهذه الأمة إلى مستوى الجدية والمسؤولية اللازمة حتى تسترجع مشعل القيادة من جديد كما حمله أسلافها من قبل، ولنا الوقفة مع القائد العظيم الفاتح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وهو القائد العظيم الذي كان يسيطر عليه همّ الأقصى الأسير، فلا يمزح ولا يضحك ويقول ” إني لأستحي من الله أن يراني أضحك وبيت المقدس في أيدي الصليبيين” فأكرمه الله بتحرير بيت المقدس على يديه.

 

وإن الجيل الأول الذي تربى في حضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدرك أن الإسلام جاء ليحرره من كل الأغلال والقيود لينطلق في ربوع الأرض بكل حزم وجد، ينشر هذه الدعوة لتحرير البشرية، ولا يتقاعس في سبيل ذلك لأنها ليست من سماته، بل يمضي قدما في سبيل إحقاق الحق وإبطال الباطل، فيقوم صحابي جليل، واعي لرسالته، قد عقد العزم ألا يكون من المتخاذلين، قام هذا الصحابي وهو ربعي بن عامر رضي الله عنه في وجه كسرى ملك الفرس ليجيبه بكل ثقة وصدق وعزم “نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”

 

فيا له من خطاب حضاري رائق قاله ذاك المسلم الواعي منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، فإن الجيل الأول قد تربى على حياة الجد والعزم، فحطم الأصنام الطينية والخشبية ثم انتقل إلى تحطيم الأصنام البشرية، فعاشت البشرية جمعاء على اختلاف أديانها ومعتقداتها في جو لم تشهد ولن تشهد مثله إلا تحت ظل الإسلام ورايته، فإنه جو سادته الحرية والعدل والاحترام والتعاون والتكافل، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون إنما وعد الله النار على الكبائر، فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه، فإنه يوشك أن يكثر، وحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر، فنزلت الآية.

 

” فمن يعمل مثقال ذرة” يعنى وزن أصغر النمل ” خيرا يره” يعنى في كتابه، ويسرّه ذلك” فإن فعل الخيرات مردود على فاعله، فهنيئا له، تذكر دائما أنك إن فعلت الخير فإنما هو في ميزان أعمالك أنت لا أحد غيرك، فقال تعالى” من عمل صالحا فلنفسه” بمعنى لنفسه، أى أنت الكاسب الوحيد، لنفسك، وهل هناك من هو أعز عندك وعليك من نفسك؟ وسوف ترى ذلك، وسوف تشاهد هذه الخيرات التي عملتها في دنياك، نعم، سوف تشاهدها هناك في الآخرة مكتوبة، ومكتوب لك أجرها، فقال تعالى فى كتابه ” ليروا أعمالهم ” وسوف تشهد لك هذه الأرض، سوف تشهد لك الطرقات والمساجد والأمكنة والبيوت والأسواق بأنك عملت ذلك الخير وهذه الخيرات.

 

فقال تعالى ” يومئذ تحدث أخبارها” أى تحدث بما عمل العاملون على ظهرها، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم هذه الآية” يومئذ تحدث أخبارها” قال “أتدرون ما أخبارها؟” قالوا الله ورسوله أعلم، قال “فإن أخبارها؟ “أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول عمل كذا وكذا، يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها” رواه احمد والترمذى، فيا الله ما أعظمه من كرم إلهي وما أرحمه من هدي نبوي حينما تقف عاجزا عن فعل الخير فتظن الأجر فُقد من دربك، فإذا برسولك صلى الله عليه وسلم يبشرك ويدلك ويجعل الأمل بين يديك، فيقول لك كف شرك عن الناس فقط.

 

أبعد أذاك عنهم لا غير، يكن ذلك من فعل الخير، يكن ذلك صدقة، يكن ذلك أجرا، يكن ذلك حسنات تكتب لك، لنفسك، فادفع الدّين الذى عليك، لا بالمال وحده بل بفعل الخيرات، فمَن يستطيع أن يدفع كل يوم مقابل نعمة مفاصل جسمه صدقات مالية بعددها البالغ ثلاثمائة وستين مفصلا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى