مقال

الدكروري يكتب عن حجة الوداع

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن حجة الوداع

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحضارة الإسلامية قد استطاعت أن تنشئ نظاما للدولة قائما على مبادئ الحق والعدالة، مرتكزا إلى الدين والعقيدة دون أن يقيم الدين عائقا ما دون رقي الدولة واطراد الحضارة، بل كان الدين من أكبر عوامل الرقي فيها، فمن بين جدران المساجد في بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وغرناطة انطلقت أشعة العلم إلى أنحاء الدنيا قاطبة، إن الحضارة الإسلامية هي الوحيدة التي لم يفصل فيها الدين عن الدولة مع نجاتها من كل مآسي المزج بينهما كما عرفته أوروبا في القرون الوسطي، وإذا رجعنا إلي الوراء وإلي الخليل إبراهيم عليه السلام فنجد أنه لما اكتمل بناء البيت على التوحيد، وبناه إمام الموحدين في وقته.

 

الخليل إبراهيم عليه السلام أمره الله تعالى أن ينادي في الناس بأن يقصدوا هذا البيت لتوحيد الله تعالى وعبادته وذكره وشكره، فأذن الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو الموحدين من البشر في كل زمان ومكان ليثوبوا إلى البيت الحرام، فاستجاب لدعوته أهل التوحيد، ونكل عنها المشركون، فقال ابن عباس رضي الله عنهما “لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له “وأذن فى الناس بالحج” قال يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال أذن وعليّ البلاغ” فنادى إبراهيم أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحجّوا، قال فسمعه ما بين السماء والأرض أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبّون؟

 

وفي لفظ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قام إبراهيم على الحجر، فقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من آمن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك” ويُعتبر الحج مؤتمرا عالميا، يجتمع فيه المسلمون من كل بقاع العالم، فيلتقون على عبادة الله، والاستجابة لنداء الخليل إبراهيم عليه السلام وقد أصبح الحج في أيامنا ملتقى الملايين من هؤلاء المسلمين، الذين يتقاطرون على أماكن العبادة بمكة، راغبين في الأجر والثواب، ومحو الذنوب، والأوب إلى الله عز وجل وهو ما لا تجده في شريعة أخرى غير شريعة الإسلام.

 

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستغل فرص تجمع المسلمين، ليفقههم في دينهم، ويوصيهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة بل إن مجالسه صلى الله عليه وسلم كلها ترغيب وترهيب وتذكير بالله، وإن حجة الوداع هي أول وآخر حجة حجها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، وخطب فيها خطبة الوداع التي تضمنت قيما دينية وأخلاقية عدة، وقد سُميت حجة الوداع بهذا الاسم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم، وأوصاهم صلى الله عليه وسلم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها، وكان في اليوم الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة.

 

أعلن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن عزمه زيارة المسجد الحرام حاجا، فخرج معه حوالي مائة ألف من المسلمين من الرجال والنساء، وقد استعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري، وأحرم للحج ثم لبّى قائلا “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لاشريك لك” رواه البخاري، وبقي ملبيا حتى دخل مكة، وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط واستلم الحجر الأسود وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وشرب من ماء زمزم، ثم سعى بين الصفا والمروة، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة توجه إلى منى فبات فيها، وفي اليوم التاسع توجه إلى عرفة فصلى فيها الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر.

 

ثم خطب خطبته التي سميت فيما بعد خطبة الوداع، وبعد غروب شمس يوم عرفة نزل صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى مزدلفة وصلى المغرب والعشاء فيها جمع تأخير، ثم نزل صلى الله عليه وسلم إلى منى وأتم مناسك الحج من رمي الجمار والنحر والحلق وطواف الإفاضة، وعندما كان الصحابة يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض أعمال الحج مثل الترتيب بين الرمي والحلق والتحلل وغيرها، لا يجدون منه إلا التيسير عليهم، وهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم “افعلوا ولا حرج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى