مقال

الدكروري يكتب عن الحضارة بين الفلاسفة والباحثين

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحضارة بين الفلاسفة والباحثين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان في العهد النبيوي الشريف رئيس الدولة هو خليفة وأميرا للمؤمنين، ولكن كان الحكم عنده للحق، والتشريع للمختصين فيه، ولكل فئة من العلماء اختصاصهم والجميع يتساوون أمام القانون، والتفاضل بالتقوى والخدمة العامة للناس فيقول النبي صلي الله عليه وسلم ” والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها” وكما يقول النبي صلي الله عليه وسلم “الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله” فهذا هو الدين الذي قامت عليه حضارتنا، ليس فيه امتياز لرئيس ولا لرجل دين ولا لشريف ولا لغني، فيقول النبي صلي الله عليه وسلم كما جاء في الكتاب الكريم ” قل إنما أنا بشر مثلكم” ولا يزال مفهوم الحضارة من المفاهيم المختلف على تعريفها.

 

بسبب اختلاف النظرة إليها من شخص لآخر، بالإضافة إلى اختلاف المدارس الفكرية واختلاف معنى الحضارة بين الفلاسفة والباحثين، وقد ذهب بعض منهم إلى أن الثقافة والحضارة هما مصطلحان يحملان معنى واحدا، وذهب البعض الآخر إلى أن المصطلحين يختلفان عن بعضهما ولكل منهما معنى محدد، حيث بينوا أن الحضارة تقتصر على التقدم المادي للمجتمع، في حين تقتصر الثقافة على أفكار وعقائد الإنسان، وقد تعددت تعريفات الحضارة الاصطلاحية، فقد عرف ابن خلدون الحضارة على أنها مفسدة للعمران، حيث إنها تكوين المدن العظيمة الثرية والمترفة، والتي يميل سكانها إلى الراحة، مما يشجع سكان البادية من حولهم على غزوهم.

 

والاستيلاء على أموالهم، ثم ما يلبثو أن يكونوا ثروة أخرى لتعود وتزول على أيدي غيرهم، وهكذا يرى ابن خلدون أن الحضارة تفسد العمران ففي بداية تكوينها يكون العمران، ويزول بعد أن يركن أهلها إلى الراحة، ويرى أيضا أن الحضارة هي طور طبيعي في مختلف المجتمعات وهي التفنن في الترف الذي ينقل الناس من حياة البداوة إلى التحضر وازدهار العمران، وبشيوع مظاهر الترف يظهر الفساد ويبدأ الهرم فيها، وقيل أن الحضارة هى نظام اجتماعي يعين الإنسان على زيادة إنتاجه الثقافي، وقيل أن الحضارة عبارة عن كيان معقد يضم العديد من الفنون والآداب، والعادات، والتقاليد، وجميع القوانين التي يكتسبها الإنسان في المجتمع.

 

أما الحضارة في الإسلام والتي تعرف بالحضارة الإسلامية فهي مجموعة القيم والمفاهيم التي تنبع من وجهة نظر الإسلام والمرتبطة بمختلف مناحي الحياة الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والعلمية، والإدراية، والاقتصادية، وتعكس هذه المفاهيم نظرة الإسلام الشاملة للحياة والإنسان بما يلائم حاجاته، وتطلعاته لعمارة الكون من حوله، وأن مفهوم الحضارة عند العرب بشكل عام هو ما يدل على نمط الحياة المناقض للبداوة، كما يدل على إنشاء المدن والأمصار وتحقيق مكاسب العيش، كما يمكن القول أن الحضارة اليوم لم تعد تقتصر على تناقضها لمعنى البداوة فقط، وإنما تعبّر أيضا عن ارتقاء المجتمعات وتطورها في جوانب الحياة المادية.

 

والمعنوية المختلفة، كما أن الحضارة ليست حكرا لأجناس معينة فتكون قادرة على صنعها وأخرى غير قادرة، وإنما هي ملك للأمم التي تأخذ بأسباب العلم على اختلاف العصور، فالحضارة الإنسانية لم تقم بجهود أمة واحدة وإنما ساهم كثير من الأمم في قيامها، حيث إن الحضارات الإنسانية عبارة عن حلقات متصلة مع بعضها البعض، وكل حضارة تأتي تعمل على رفع الصرح الحضاري درجة أكثر من الحضارة التي سبقتها، وإن معرفة وتحديد عوامل قيام الحضارات يتطلب معرفة الظروف والتجارب التي مر بها الإنسان وعايشها، بهدف الاستفادة من الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى