مقال

الدكروري يكتب عن استنباط التشريعات الجزئية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن استنباط التشريعات الجزئية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد شرع الله تعالى للبشرية من الدين ما يوافق طبيعتها وفطرتها، ووضع الأصول لذلك، وترك للبشر استنباط التشريعات الجزئية التي تتجدد مع تجدد الحياة في حدود المنهج الكلي للدين، فإذا اختلفوا في شيء، رجعوا به إلى تلك الأصول الكلية التي شرعها الله تعالى للناس، لتبقى ميزانا يزن به البشر كل تشريع جزئي، وكل تطبيق حادث على مدار الزمن، وبذلك يتوحد مصدر التشريع، ويكون الحكم لله وحده وهو خير الحاكمين, وما عدا هذا المنهج فهو خروج على شريعة الله عز وجل، وعلى دين الله تعالى، ومع وضوح هذا إلا أن بعض الناس يجادلون في هذا، ويجرءون على استمداد التشريع من غير ما شرع الله.

 

زاعمين أنهم يختارون لشعوبهم ما يسعدهم، كأنما هم أعلم من الله، وأحكم من الله، ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم، والله تبارك وتعالى هو الحق الذي يحب الحق ويدعو إليه، ويكره الباطل ويحذر منه، وما ترك أحد الحق إلا جرته الشياطين إلى الباطل, فاليهود لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم جرتهم الشياطين إلى الكفر والكذب كما قال سبحانه وتعالى عنهم كما جاء فى سورة البقرة ” ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر”

 

وإن الحق هو ما أوحاه الله تعالى إلى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى، المتضمن للعلم النافع، والعمل الصالح، والخلق الفاضل، فإذا جاء هذا الحق زهق الباطل, فكما لا يجتمع النور مع الظلام، ولا الليل مع النهار، ولا الحر مع البرد، كذلك لا يجتمع الحق مع الباطل لأن كل واحد منهما يطرد الآخر، والباطل زهوق، ولكنه قد يكون له صولة ورواج إذا لم يقابله الحق، فعند مجيء الحق يضمحل الباطل، فلا يبقى له حراك, ولهذا لا يروج الباطل إلا في الأزمنة والأمكنة الخالية من العلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بآياته وبيناته، والعلم بدينه وشرعه.

 

ولذلك مدح الله تعالى أهل الحق ممن يتواصون بنشره وتعليمه، فقال تعالى كما جاء فى سورة العصر ” والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” وسنة الله التي لا تتبدل أن الحق إذا جاء زهق الباطل، فالباطل لا يمكن أن يثبت للحق, فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” وإن ظهور الباطل وبقاءه منتفشا فترة من الزمن, ليس معناه أن الله تعالى تاركه, أو أنه من القوة بحيث لا يغلب, أو بحيث يضر الحق ضررا باقيا قاضيا, أو أنه متروك للباطل يقتله ويرديه, كلا, إنما هي حكمة وتدبير من الحكيم الخبير هنا وهناك.

 

يملي سبحانه وتعالى للباطل ليمضي إلى نهاية الطريق، وليرتكب أبشع الآثام وليحمل أثقل الأوزار، ولينال أشد العذاب باستحقاق, فيقول تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين” فالله عز وجل يملي للظالم حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة هود ” وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى