خواطر وأشعار

الشعراوى فى الميدان

جريدة الاضواء

بقلم دعاء نور

يحاول المحتلون عبر العصور سلخ المسلمين عن دينهم، ليهنؤوا باحتلالهم، ويباشروا نهب الأوطان والشعوب دون إزعاج ولا مقاومة، ولهم فى ذلك مبرر منطقى، فالإسلام يجعل من الموت فى سبيل الله تحريرا للأوطان وذودا عن الأموال والأعراض حياة هنية فى الجنان عند رب كريم، وشهادة يغفر لصاحبها مع أول قطرة من دمائه الذكية تسقط على الأرض، “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (آل عمران-169، 170)، كما يعتبر التولى يوم الزحف من عظائم الآثام. إن قيم القرآن تصنع من الشعوب المغلوبة أسودا ضارية، تستعيد الأرض، وتفتك بمن يحاول المساس بالمال أوالعرض، لتغدو تلك الشعوب شوكة فى حلوق المعتدين تذيقهم المرار، وترضى بباطن الأرض بديلا عن التسليم لغاصب محتل، تعانق الموت مبتسمة راضية بانتسابها لقوافل الشهداء الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون. ولقد سمعها المحتل الإيطالى “غريتسيانى” من الأسد الليبى الذى ارتوى قلبه بقيم القرآن شيخ المجاهدين عمر المختار ، عندما ساومه على حياته مقابل إقناع الليبين بالتسليم لهم، قالها فى شموخ وهو يرصف فى القيود “نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت”، تلك أحد النماذج المشرقة التى صنعها القرآن لتقض مضاجع المحتلين. إن قيم القرآن العظيم أحد ركائز الأمن القومى الرئيسة لأمم وشعوب العالم العربى والإسلامى، ولذلك يحاول المحتلون والطامعون وذيولهم النيل من القرآن ورجاله، ولا ينسوا أبدا دور الإسلام وكتابه ورجاله فى تحرير الشعوب والأمم من عدوانهم. لقد كان لعلماء الأزهر دورا كبيرا فى حث الجنود على تحرير أرض الوطن، ورفع الروح المعنوية لقيادات وضباط وجنود الجيش المصرى العظيم في حرب أكتوبر 1973 ، وفى القلب منهم إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي. لقد وقف الشعراوى على الجبهة في سيناء، يخطب الجيش المصرى ضباطا وجندا في إحدى لقاءات الإعداد النفسي والمعنوي، منبها أن الجيش لابد أن يجمع بين قوة العقيدة الإيمانية وقوة الإعداد العسكري شارحًا المعنى الحقيقي للجهاد وكيف يجاهد كل فرد من موقعه ومكانه. قال رحمات الله وأنواره عليه “أنا ومهمتي وأنتم ومهمتكم، نلتقي في أننا جميعًا جنود الحق، أنا بالحرف وأنتم بالسيف، وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، وأنا باللسان وأنتم بالسنان، إن الحق لا يصارع إلا باطلًا، والباطل يتمثل في أمرين، باطل يقوم على فهم خاطئ يملكه الدليل الخاطئ، وباطل يقوم على الجهل واللجاج والمكابرة، وعمدة الحق في القضاء على هذين اللونين أن يكون له لسان يقوم بالحق والبرهان، وذلك يقتنع به العقلاء، وأن يكون له سنان يقنع ذوي الجهل والطغيان، إن الإسلام انتشر بالكلمة وبقوة الكلمة، وأنه لا إكراه في الدين، لكن تأتي الجيوش والقوة والأسلحة لتحمي كلمة الحق والإسلام وتكفل حرية الاختيار، وتواجه من يمنع كلمة الحق وتقر الدين الحق، وتترك كل شخص يتدين بما يشاء، فيكون السيف في خدمة الحق”. وأشار إلى أن الدعوة لها علاقة بالجهاد وأن كليهما في خدمة الآخر حيث قال “حين ننظر إلى علاقة الحرف بالسيف أو علاقة الكتائب بالكتب أو علاقة اللسان بالسنان، نجد أن أحدهما يكون في خدمة الآخر، وعلى ضوء الخادم منهما والمخدوم يتعين منطق الحق ومنطق الباطل، فإذا كان السِنَانُ جاء ليحمي كلمةً فذلك حق ، وإذا كانت الكلمة جاءت لأن السِنانَ فرضها فذلك هو الباطل”. وأردف الإمام السمح الحجة ” إن القوة الطغيانية التي تحول بين الناس وبين حرياتهم في أن يتدينوا يقف السيف أمامها، لا ليفرض ذلك التدين، ولكن ليمنع المؤثرات التي تؤثر على الفرد في حرية الاختيار، ولذلك كان الإسلام منطقيًا حين دخل فتحًا في كثير من البلاد فَوُجٍد قومٌ ظلوا على أديانهم، غاية ما في الأمر أنَّ الطغيان الذي كان يمنع الناس أنْ يختاروا دينهم بحرية وقف الإسلام أمام ذلك الطغيان ثم ترك بعد ذلك الناس أحرارًا إن قبلوا الإسلام طواعيةً فعلى الرحب والسعة وإنْ لم يقبلوه ظلوا علي دينهم كما هم؛ لأن الإسلام لا يريد مُكْرَهِين علي الدين؛ لأن تعاليم الدين تٌطلَبُ في الجلوة والخلوة وفي السر وفي العلن”. وشدد الإمام الفقيه على أن الأصل في الجهاد هو حماية القيم، وحماية الأوطان تابعة لحماية القيم، “فإذا رأينا قيمًا قد انهارت ونحن في أرضنا وأوطاننا فهو أمر يتطلب الجهاد، ولكن جهاد الكلمة، وهو الإقناع بالمعروف والتنفير من المنكر”إنتهى. لقد حملت أنوار تلك الكلمات الضباط والجنود على أن يسطروا من البطولات فى أكتوبر ما أذهل العدو، فكان الشحن الإيمانى القرآنى للشعراوى خلف بطولات إبراهيم عبدالتواب وإبراهيم الرفاعى وبسالة محمد زرد الذى سد فوهة النار بجسده الطاهرة، لينضموا لقوافل الشهداء رحمة الله عليهم. إن من دواعى الحزن، أن يفقد العالم العربى والإسلامى أمثال الإمام الشعراوى، وما هو أشد حزنا أن يتطاول على هذا العالم الربانى أناس، لم يقدموا لمصر وأمتهم وأوطانهم قليلا مما قدمه الإمام الشعراوى، والذى يمثل أحد رموز القوة الناعمة لمصر الحبيبة، رحمات الله وأنواره على أئمة الهدى. تحياتى وتقديرى

فتح الصورة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى