مقال

ماذا يحدث في البرازيل ؟؟

جريدة الاضواء

ماذا يحدث في البرازيل ؟؟

إعداد: اليان بطرس
مدير برنامج دراسات العلاقات الدولية

سبق وأن تناول مركز جسور للدراسات الاستراتيجية تقرير حول الانتخابات البرازيلية التي أنتهت بفوز لولا دا سيلفا بفارق ضئيل أمام المرشح اليميني الرئيس السابق جايير بولسونارو، حيث استشف التقرير إحتماليه حدوث حالة من العنف والشغب وهجوم على مبنى الكونجرس نظرًا لحالة الاستقطاب التي عليها البرازيل الآن، وهو ما قد كان حيث هاجم أنصار الرئيس السابق يوم الاحد 8 يناير 2023 مبنى الكونجرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي وبعض منشئات الدولة والوزارات في العاصمة برازيليا، ويأتي هذا الهجوم بعد تنصيب الرئيس لولا دا سيلفا بأيام وسفر الرئيس السابق إلى الولايات المتحدة الامريكية والتي كان من المفترض أن يكون متواجد أثناء حفل التنصيب ويسلمه الوشاح الرئاسي وفقًا للبروتوكول.

وعلى إثر هذا الهجوم اقال حاكم العاصمة وزير أمن المقاطعة بعد الاضرار الضخمة التي تكبدتها المنشئات والتي وصلت إلى غرفة الرئيس بالقصر الرئاسي في الوقت التي كان الرئيس لولا في زيارة رسمية في ولاية ساو باولو، واضطرت قوات الامن إلى إطلاق الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، ولم تكن هذه الاحتجاجات الأولى فمنذ فوز لولا في أكتوبر الماضي وهناك عدد من الاحتجاجات التي وصلت لغلق بعض الطرق واشعال النيران ومطالبة القوات المسلحة للتدخل وامتد العنف الى ان وصل لاعتقال احد الأشخاص وبحوزته عبوه ناسفة وسكين حسبما أعلنت قوات الامن حاول الدخول بها في حفل تنصيب الرئيس في بداية يناير 2023 .
وسبق وان صرح الرئيس السابق ببعض العبارات التي تشير لعدم تقبله النتيجة من بينها ” نخسر معارك لكننا لا نخسر الحرب” هذا التصريح يشير إلى عدم وجود تكاتف حقيقي من أجل البرازيل وشعبها وأان هناك حرب بدأت بخسارته الانتخابات وأن ما هو قادم سيكون الأسوأ، والجدير بالذكر أن الرئيس جايير بولسونارو لديه صداقة من رئيس الولايات المتحدة السابق ترامب فكلايهما يمينيين ولديهم توافق في بعض الأفكار وتقارب في وجهات النظر حتى أنصار الرئيسين يتخذان نفس المواقف والتحركات.
موقف الرئيس لولا دا سيلفا:
خلال هذا الهجوم أصدر الرئيس لولا دا سيلفا مرسومًا رئاسيًا للسيطرة على اعمال العنف والشغب وفرض حالة الطوارئ ووكل قوات الامن الفيدرالية بالتأمين حتى نهاية شهر يناير، وفى حديثة أطلق على المهاجمين للمنشئات بأنهم فاشيين ووعد بإلقاء القبض ومعاقبة كل من شارك في هذا الشغب أكد ان الديمقراطية تتضمن حرية التعبير ولكن يتطلب لتحقيقها احترام المؤسسات الحكومية.

كما أعلن رئيس الولاية تطبيق “مرسوم التدخل الفيدرالي” لضمان السلامة العامة في برازيليا وهو ما يسمح بنشر قوات الامن الفيدرالي في المدينة، وفى هذا السياق أعلن الرئيس لولا تعيين كابيلي كرئيس جديد للأمن العام في العاصمة برازيليا. وكان رد الرئيس السابق على الاتهامات التي وجهت له بان المظاهرات السلمية جزء من الديمقراطية معتبرا أي اقتحام أو نهب للمباني العامة تجاوزا .

كيف تعاملت الدولة مع الهجوم:

بعد ساعات من الهجوم استعادت قوات الامن السيطرة على المنشئات التي تعرضت للشغب حيث أعلنت وكالة الأنباء البرازيلية، أن طائرة هليكوبتر تابعة للشرطة العسكرية في العاصمة برازيليا، تلقي قنابل صوتية وقنابل وميض وقنابل غاز مسيل للدموع لفض المتظاهرين في الشوارع.

ودعمها كتيبة من الحرس الرئاسي ووحدات الجيش وتوجهت نحو القصر الرئاسي وأعلنت أن قوات الامن استعادت كامل سيطرتها على المنشئات التي تم الهجوم عليها بعد أن تمكنت وحدات مكافحة الشغب من طرد المتظاهرين خارج القصر، كما اتهمت المحكمة العليا حاكم برازيليا بارتكاب أخطاء سهلت اقتحام المقار الحكومية وقررت تجميد مهامه لثلاثة أشهر.

موقف المجتمع الدولي:

عارضت الكثير من الدول هذا الهجوم واستنكره الرئيس جو بايدن وشجب وزير الخارجية الامريكية الهجوم وشدد على ضرورة وقف الاحتجاجات بشكل فوري، كما أعلن عدد من رؤساء دول أمريكا اللاتينية وعلى رأسها رئيس الارجنتين وفنزويلا وكولومبيا دعمهم الكامل للرئيس لولا واستنكارهم لما حدث، حيث شهدت المنطقة نشاطا يساري خلال العام الماضي وبالتالي جميعهم يدعمون الرئيس لولا بشكل كبير ويدعمون صندوق الانتخابات والديموقراطية التي افرزت هذه النتائج.

ودعا الرئيس الأرجنتيني فرنانديز بصفته رئيس الدولة التي تترأس جماعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والميركوسور، أعضاء المنظمتين إلى معارضة العمليات المناهضة للديمقراطية في البرازيل بشكل مشترك، وادان الرئيس جوستافو بيترو رئيس كولومبيا أعمال الشغب التي قام بها أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو ووصف ما فعلوه بـ “الهجوم الفاشي”وقال “كل تضامني مع لولا وشعب البرازيل، الفاشية تقرر الهجوم لم يتمكن اليمين من الحفاظ على ميثاق اللاعنف لقد حان الوقت لتجمع منظمة الدول الأمريكية اللاتينية إذا أرادت الاستمرار في العيش كمؤسسة وتطبيق ميثاق ديمقراطي، اقترحنا تقوية نظام حقوق الإنسان للبلدان الأمريكية من خلال تطبيق المعايير الحالية وتوسيع الميثاق ليشمل حقوق المرأة والبيئة والحقوق الجماعية، لكن الجواب هو الانقلابات البرلمانية أو الانقلابات العنيفة من قبل اليمين المتطرف”

وقال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو “نرفض رفضا قاطعا العنف الذي أحدثته الجماعات الفاشية الجديدة التابعة لبولسونارو التي تهاجم المؤسسات الديمقراطية في البرازيل.. ودعمنا للرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والشعب البرازيلي الذي يجب أن يحشد دفاعًا عن السلام ورئيسهم”.

كما أكد رئيس المجلس الأوروبي دعمه الكامل للرئيس لولا دا سيلفا معللا بان الانتخابات كانت حرة ونزيهة وأن الرئيس لولا انتخب بشكل ديمقراطيا واستنكر ما قام به أنصار الرئيس السابق والهجوم على المنشئات واعمال الشغب.

وأعربت رئيسة البرلمان الأوروبي عن قلقها حيال الازمة في البرازيل وأكدت على ضرورة احترام الديمقراطية، وأصدرت الخارجية الفرنسية بيان تندد فيه بما حدث مشيرة الى ان ما يحدث هو تشكيكا غير مقبول في نتائج الانتخابات الديمقراطية التي أدت الى فوز لولا دا سيلفا، وظهر دعم الرئيس الفرنسي إلى لولا دا سيلفا مؤكدا على ضرورة احترام الديمقراطية في البرازيل ودعا الى احترام إرادة الشعب والمؤسسات الديمقراطية التي افرزت وجود لولا دا سيلفا في السلطة للمرة الثالثة.

تحديات كبرى:

هناك عديد التحديات التي تواجه لولا دا سيلفا منذ ترشحه للرئاسة وليس فقط منذ تولية المنصب فإن حالة الاستقطاب والانقسام الحاد في البرازيل البلد القائد لأمريكا اللاتينية تدفع الجميع للحذر والقلق فبعد هذا الهجوم المتوقع يراهن البعض على قوته لولا دا سيلفا واصراره على استكمال مسيرته وإعادة احياء البرازيل وانتشال الفقراء من وضعهم الحرج، لذا فعلية إعادة بناء المؤسسات الحيوية بالبرازيل والحرص على عدم انتهاكها مره أخرى، وفرض حالة الطوارئ وتدخل القوات الفيدرالية ينم عن حجم الموقف التي تتعرض له الدولة وحجم التحديات والصعوبات التي تقف امام لولا من جديد .

ليس هذا فحسب فتصارع الازمات الاقتصادية لولا في مسيرته لتحسين الحياة الاجتماعية والأوضاع المالية المتأزمة، والتي تقف عائق أمام جميع الدول في خطتها للتنمية والنجاح.

خلاصة القول

هناك رفض مطلق من قبل المجتمع الدولي لما قاموا به أنصار الرئيس السابق بولسونارو وهناك تأكيد على دعم الرئيس لولا وحكومته التي يشيد الجميع بانها أتت بطريقة ديمقراطية ونزيه وبالتالي لابد من احترامها واحترام مؤسساتها، صحيح وأن الرئيس السابق بولسونارو اعتبر هذا الهجوم تجاوز ولكنه يلام على حشده وعدم تقبله فوز لولا بالرئاسة حتى أنه سافر إلى الولايات المتحدة قبل أن يسلم الوشاح الرئاسي إلى خليفه لولا دا سيلفا وهو ما يعني عدم تقبله للنتيجة والخسارة وهو أيضا إشارة إلى أنصاره باتخاذ ذات الموقف تجاه الحكومة الجديدة، هذا الانقسام الحاد داخل البرازيل يشير إلا أن بالتأكيد هناك أطراف من داخل الدولة متورطة في تسهيل عملية الاقتحام والشغب فلا شك بإن هناك الكثير من المؤيدين إلى الرئيس السابق داخل قوات الأمن فاقتحام منشئات بهذا الحجم وبهذه الأهمية يشير إلى أن الانقسام مستشري حتى في مفاصل الدولة العليا .بخلاف الدعم الامريكي للرئيس السابق وعدائهم لليسار وعدم رغبتهم في ان تقود البرازيل من جديد تنشيط اليسار داخل منطقة أمريكا اللاتينية فبالرغم من موقف الولايات المتحدة ورفضها للهجوم على المنشئات الحكومية إلا أن هذا الرفض والاستنكار لا يعني الرضا الامريكي عن الرئيس لولا وفوز اليسار وبالتالي قد يكون هذا الهجوم مدفوعًا أيضًا من الخارج وليس فقط داخليًا وإنما الانقسام الداخلي هو ما ساعد على إتمام هذا الشغب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى