القصة والأدب

صفحات من مذكرات زوج سعيد جداً

جريدة الاضواء

صفحات من مذكرات زوج سعيد جداً

بقلم / عبده مرقص عبد الملاك سلامة

منذ عقد قرانهما و هما فى أرجوحة الحياة ,التى ترتفع بهما إلى عنان السماء ,و تهبط بهما إلى الأرض , و يستمر قاربهما يتأرجح فى بحر الحياة , تعتريه العواصف و الرياح و هما يجدفان ببسالة , و أحياناً يسكن البحر و يسمح لهما القدر ببعض من السعادة و لكن الرحلة تستمر ,

هى باحثة إجتماعية و هو مدرك لأبعاد عملها و دارسها جيداً ,و لذا كان مثل لاعب السيرك الذى يلعب اللعبة الخطرة على الحبال ,فقد تيقن أن حبها لعملها قد يمتد لحياتها الأسرية و ليس ببعيد أن تطبق ذلك , و لذا فإنه إتخذ إحتياطاته و أصبح لديه سجلات مثل سجلاتها تماماً ,مثل الخطة و البرنامج الزمنى و سجل المواقف السريعة , والعمل اليومى , و سجل الحالات الفنية ,و قد تيقن إنها لديها هذه السجلات للأسرة ,

و قد بارها فى تسجيل بعض المواقف اليومية السريعة فى نطاق الأسرة ,

و قد كان حريصاً ألا يصدر منه ما يثير الزوابع و كان يعالج الأمور بحيدة و موضوعية و بهدوء, حتى لما أصبح لديهما أبناء , فهو تعود أن يتقبل ما تعده من أطباق الطعام و يثنى عليها و يمدح مهارتها فى إعداد الطعام ,و لو أحد الأبناء نقد الطعام بإنه غير ناضج لدافع عنها بأن العيب فى موقد الغاز أو إن اللحم الذى إشتراه من جزار غير أمين ,و إذا أحدهم قال أنه محروق ,لدافع عنها ,قائلاً إنه لم يتذوق طعاماً له هذا الطعم من قبل , و إن أمهم فنانة مطبخ و يجب ألا يقارنوا بين المطاعم و المنزل ,

و عندما نستعرض صفحات المذكرات نجد هذه المواقف :-

…….

الموقف الأول:

قالت :” على رأى القائل :لو كان (الفأر) رجلاً لقتلته !

قال:” لم أظن يوماً إنك تكرهين كل الرجال لهذا الحد .”

قالت :”و ما علاقة هذا بما قلت ؟”

قال : ألم تقولى لو كان الفأر رجلاً لقتلته ؟و لا أنا لم أسمعك جيداً ؟

قالت :”نعم هذا ما قلته .

قال :” إذن عليك بقتل جميع الرجال .”فجميع الرجال صاروا فئراناً .

قالت :” لم أقصد ما فهمت !

قال :” ألم تقرأى أو تسمعى قصة الفأر الذى ذهب ليهنئ الأسد فى حفل زفافه و عانقه قائلاً لقد أتيت مهنئاً يا أخى العزيز ،فزجرته باقى الأسود ،إذ كيف يجرؤ و هو فأر أن يخاطب الأسد بأخى العزيز ،فأجابهم ،مهلاً ،أيها الإخوة ،لقد كنت أسداً مثله حتى تزوجت .

ضحكت بصوت عال و قالت :” أنا أقصد الفأر ،أوه يا إلهى ،أنا أقصد الفأر ، يعنى عدم الغنى

قال :” إذن ،تقصدين الفقر .

قالت :” أى نعم أقصد الفأر .هذا ما أقصده

الموقف الثانى :

قالت :” السبانخ تتشابه مع الجرجير و الكزبرة تتشابه مع البقدونس بدرجة كبيرة ,

قال :طبعاً ,و لكن لكل إستخدام .فما الداعى لذكر ذلك الآن؟

قالت :ماذا لو تم طهى الجرير و البقدونس و اليانسون بدلاً من السبانخ و الكزبرة و الشبث؟

قال :” هذا غير معقول ,و لا يمكن أن يحدث

قالت :” و إن حدث ؟

هنا أدرك هو الأمر

فقال : ” إذن ما تطبخه العمشى لزوجها يتعشى ( العمشى التى تعانى من ضعف البصر)

قالت :”أأنا عمشى ؟

قال :” و هل أنت فعلت ذلك؟

مرت الأيام و الشهور و السنون و هما يكابدان الحياة ,حتى بلى العالم بفيروس (كورونا ) اللعين ,و عانى العالم ما عاناه و مازال يعانى تبعاته التى تحتاج لأجيال حتى يتخلص منها ,فقد غيرت سمات البشر و قطعت صلات الرحم و الصداقة و جعلت الخوف يدب فى قلوبهم و صارت العلاقات الإنسانية فى أسوأ مظاهرها . و صاحبنا حريص على أن تستمر الأسرة بعيدة عن مهب الريح ,حتى حدث

الموقف الثالث

ذات يوم عاد من العمل ,بعد يوم شاق عانى فيه ما عاناه ,و حاول أن يكون سلوكه عادياً ,حتى تم إعداد مائدة الغداء ,

و نظر للطعام الذى تم إعداده و إندهش عندما وجد الأبناء يتناولون الطعام دون تعليق

و بعد أن غمس أول لقمة صاح :” ما هذا الطعام الذى لا لون و لا طعم و لا رائحة له ,ماذا جرى ؟

إندهشت هى من هذا التعليق ,فلأول مرة يعلق بهذا التعليق الصادم ,و لكنها ردت بهدوءقائلة :” لا عليك ,سأغير لك طبقك بطعام آخر حالاً ,

و نهضت من على المائدة و غابت قليلاً حتى رن جرس الباب ,ففتح أحد الأبناء ,ليجد مجموعة من الرجال الملثمين و يرتدون أقنعة و لباس خاص بالمختصين بالتعامل مع مرضى فيروس كورونا ,و مجرد ما هى لمحتهم رحبت بهم و دعتهم للدخول ,كان من بين من حضروا طبيب شاب , رحبت به بإسمه و هو كذلك خاطبها بإسمها بعد أن أمهره بلقب أستاذتى -هى تعرفه لأنه كان تلميذاً فى مدرستها , فلما سألها عن الحالة المشتبه فى إصابتها ,أشارت لزوجها قائلة ,:و الله صعبان على ,النهاردة فقد حواسه ,لا بيشم و لا يشوف و لا يستطعم ,أكيد أصابه الفيروس اللعين

لما سمع الزوج الحديث ,دافع عن نفسه و إضطر أن يدعو الطبيب لرؤية الطعام و تذوقه

و بالفعل تذوق الطعام و للعجب إنه أبدى إعجابه به ,و عرض على الزوج أن يعد نفسه للذهاب لإجراء الفحوصات اللازمة و إنها مجرد إجراء روتينى للإطمئنان , و إنه قد يظل أسبوعين لتلقى الرعاية اللازمة ,

و تحت ضغط الظروف و تجمع الجيران لم يجد بد من الإنصياع و هو واثق إنه لن يعود قبل اسبوعين ,هذا إذا لم يصاب بالعدوى فى العزل , و أخذ يعنف نفسه ,على عدم كبح جماح نفسه و تفوه بهذا التعليق الساذج الذى أدى به الى هذا النفق المظلم الذى قد لا يخرج منه إلا للعالم الآخر

و مازالت المواقف تتلاحق ,و هذا بعض ما تصفحناه من

مذكرات زوج سعيد جداً

تحياتى

عبده مرقص عبد الملاك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى