تقارير و تحقيقات

العلاقة بين الصين وروسيا ومؤتمر ميونيخ للأمن ونتائج الحرب فى أوكرانيا

جريدة الاضواء

العلاقة بين الصين وروسيا ومؤتمر ميونيخ للأمن ونتائج الحرب فى أوكرانيا

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

جاء إجتماع كبار السياسيين والضباط العسكريين والدبلوماسيين من جميع أنحاء العالم فى الدورة الـ ١٩ من مؤتمر ميونيخ للأمن فى الفترة بين ١٧-١٩ فبراير ٢٠٢٣، لإستعراض المشهد الأمنى الأوروبى تجاه أوكرانيا، والذى تغيرت معالمه بسبب الإجتياح الروسى لأوكرانيا. ولكن فى إعتقادى فإن مؤتمر ميونيخ للأمن لم يخرج بقرارات ملزمة إلا سلسلة من الوعود بشأن دعم أوكرانيا عسكرياً، والإتفاق على محاسبة روسيا على إتهامات وصفوها بأنها جرائم حرب إرتكبت خلال فترة الحرب، والتى شارفت على عامها الأول. وجاءت تصريحات عدد من القادة الغربيين خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، للحديث عن نوعية الأسلحة التى يجب أن يقدمها القادة الغربيين إلى أوكرانيا. وجاء الإتفاق فى مجمله على محاسبة روسيا على “جرائم إرتكبت” خلال الحرب التى بدأت فى ٢٤ فبراير من عام ٢٠٢٢.

ويشبه المراقبين مؤتمر ميونيخ للأمن، بأنه “منتدى دافوس للدفاع” فى العالم ، حيث يحل الجنرالات والخبراء الإستراتيجيين محل كبار رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين حول العالم.

وجاء مؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام ٢٠٢٣، تأكيداً للرفض الصينى الروسى المشترك لمفهوم العالم الأحادى القطب، الذى تكون فيه الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة القوة العظمى الوحيدة، وبنفس هذا المنطق جاء السعى الروسى الصينى لتغيير قواعد النظام الدولى القائم وتأكيد رفضهما للأحادية الأمريكية المهيمنة دولياً. كما جاءت دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لدولة الصين، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، لعدم دعم روسيا بالسلاح فى حربها ضد أوكرانيا. وهذا نفسه ما ذهب إليه الأمين العام لحلف شمال الأطلسى “بينس ستولتنبرغ”، بأن الحلف يراقب عن كثب ما يراها زيادة فى التعاون بين الصين وروسيا. وحدث “ستولتنبرغ” عدد من الصحفيين لدى وصوله لحضور مؤتمر ميونيخ للأمن، قائلاً:

“نرى أن كلاً من الصين وروسيا يعززان التعاون بينهما، ويجريان تدريبات مشتركة، وينفذان دوريات بحرية وطلعات جوية معاً”

ويمنح حضور الصين مؤتمر ميونيخ للأمن طابعاً دولياً حتى لا يبدو أنه مجرد ملتقى غربى للقادة والعسكريين الأوروبيين. كما أنه فى ظل التجاذب الكبير بين واشنطن وبكين من تايوان إلى الجدل حول المنطاد الصينى، يمكن من خلال هذا المؤتمر تبيان تحولات النظام الدولى، وقد سبق لهذا المنتدى الأمنى كذلك أن شهد أيضاً علامات إنتقال الصين من مصاف القوة الصامتة إلى موقع القوة المؤثرة والصاعدة دولياً. وهنا جاء تأكيد “وانغ بى”، بصفته كبير الدبلوماسيين الصينيين وأبرز مستشارى السياسة الخارجية للرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ”، خلال كلمته فى مؤتمر ميونيخ للأمن يوم السبت الموافق ١٩ فبراير ٢٠٢٣، بأن بكين مستعدة لتقديم إقتراحاً للسلام بشأن أوكرانيا، وذلك فى ملاحظة صينية نادرة للإشارة إلى أن الصراع فى أوكرانيا يصل لمرتبة الحرب وليس الغزو مقارنةً بالتصريحات الصينية السابقة. مع تأكيد “وانغ بى” وزير الخارجية، بأن: “هذه الحرب لا يمكن أن تستمر فى الإشتعال”.

كما تحدث وزير الخارجية الصينى “وانغ يى” ضد التدخل الروسى فى أوكرانيا، داعياً كل الأطراف للجلوس سوياً والسعى لتطبيق “إتفاقية مينسك”. مع تأكيده خلال مؤتمر ميونيخ للأمن على معارضة الصين لتوسع حلف الناتو بإتجاه الشرق. مع الوضع فى الإعتبار تمسك الصين بـ “إتفاقية مينسك”، والتى هى عبارة عن خطة سلام تم الإتفاق عليها بوساطة فرنسية – ألمانية فى عام ٢٠١٥، لإنهاء الصراع فى شرق أوكرانيا، حيث يقاتل الإنفصاليون المدعومون من روسيا القوات الأوكرانية. وينص “إتفاقية مينسك” على أن المنطقتين الإنفصاليتين المواليتين لروسيا، هما جزءان يتمتعان بالحكم الذاتى فى أوكرانيا. ومع ذلك، لم تقدم كييف بعد قانون الحكم الذاتى فيما يتعلق بتلك المناطق المتنازع عليها. لذا جاء تأكيد “وانغ يى” خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، والذى ألقى بخطابه عن طريق الفيديو، بأنه:”يجب حماية واحترام سيادة واستقلال وسلامة أراضي كل دولة، وهذا هو أحد المعايير الأساسية للعلاقات الدولية”. مع تشديده بأن أوكرانيا ليست إستثناء.

ورغم تلك التصريحات الصينية الرسمية الصادرة فى مؤتمر ميونيخ للأمن، إلا أن العديد من قادة الإتحاد الأوروبى من الحاضرين والمشاركين فى مؤتمر ميونيخ، لا يزالون متشككين تجاه نوايا بكين، حتى مع دعوة “وانغ يى” للدول الأوروبية لتغيير نهجها تجاه الحرب. وهذا ذاته ما أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” فى حديثها، بالقول:

“نحن بحاجة إلى مزيد من الأدلة على أن الصين لا تعمل مع روسيا، ونحن لا نرى ذلك الآن”

وهنا جاء التصميم الصينى من خلال وزير الخارجية الصينى “وانغ يى” فى مؤتمر ميونيخ للأمن على توسع الناتو بإتجاه الشرق. عبر تصريحات “وانغ يى” المؤكدة وجهة نظر الصين الرسمية، بأنه:

“لقد انتهت الحرب الباردة منذ فترة طويلة، وكان الناتو نتاج حقبة الحرب الباردة، لذا فمن وجهة نظر الصين، فإن التوسع نحو الشرق لا يضمن السلام والأمن الدائمين فى أوروبا”

وفى إعتقادى، فإن بيان وزير الخارجية الصينى لم يفاجىء المراقبين السياسيين فى مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث قربت التوترات بين روسيا والصين فى الفترة الأخيرة من بعضهما البعض، وذلك نتيجة لتدخل الغرب فى شؤونهما. وهذا ما إتضح تحديداً فى الإعلان المشترك بين رئيسى الصين وروسيا، مع مطالبة كليهما بإنهاء توسع الناتو بإتجاه الشرق وذلك خلال زيارة الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين” لبكين وعقد جلسة مباحثات مطولة مع قادة الحزب الشيوعى الصينى والرئيس الصينى “شى جين بينغ”، وذلك قبيل بدء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين، حيث تلقى بوتين أيضاً دعماً للأزمة الأوكرانية من نظيره الصينى “شى”.

ولم يحقق مؤتمر ميونيخ للأمن النتائج المرجوة منه مع إعلان وزارة الخارجية الروسية، مقاطعة الوفد الروسى لمؤتمر ميونيخ، حتى ولو تمت دعوته، مع تأكيد الجانب الروسى، بأن منتدى ميونيخ للأمن قد فقد موضوعيته بشكل تام. وجاء رفض الجانب الروسى للإلتزام بشكل تام بأى قرارات تتمخض عنها إجتماعات مؤتمر ميونيخ للأمن، بسبب ما إعتبره الروس من إنتهاكات صارخة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ووثيقة هلسنكى النهائية لعام ١٩٧٥، والصادرة عن مؤتمر الأمن والتعاون فى أوروبا بشأن عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو ما أفتقده مؤتمر ميونيخ للأمن.

ودعت أوكرانيا مع عدد من القادة العسكريين فى أوروبا لإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة كبار المسؤولين الروس، غير أن شكل هذه المحكمة ما زال يطرح علامات إستفهام وأسئلة قانونية معقدة. كما درس أعضاء الإتحاد الأوروبى خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، سبل القيام بعمليات شراء مشتركة لمعدات عسكرية من أجل أوكرانيا. وأعلن قادة الجيش الأمريكى خلال المؤتمر ذاته عن عقد بحوالى مليار دولار لزيادة إنتاج مساعدات عسكرية، ستستخدم بكميات كبيرة فى أوكرانيا. كذلك تم الإعلان عن أن المؤتمر الدولى المقبل لإعادة إعمار أوكرانيا سيعقد فى شهر يونيو القادم فى لندن.

وتم خلال مؤتمر ميونيخ للأمن بحث طلب أوكرانيا فى الحصول على طائرات مقاتلة، غير أن الدول الحليفة لا تزال متحفظة فى الوقت الحاضر على هذا الطلب. وبشكل عام، إتفقت الدول الحلفاء لأوكرانيا على تقديم مساعدات مالية وعسكرية. وتوحيد جبهة الدول الأعضاء فى مؤتمر ميونيخ للأمن على فرض عقوبات إقتصادية بالغة على روسيا.

وفى رأيى الشخصى، فقد فشل مؤتمر ميونيخ للأمن فى تحقيق أى حشد غربى لإيقاف أمد الحرب الروسية الأوكرانية، فحتى هذه اللحظة، لا تلوح فى الأفق أى بوادر تهدئة فة النزاع الذى سيطرت خلاله القوات الروسية على حوالى خمس الأراضى الأوكرانية، كما تسببت المعارك بسقوط عشرات الآلاف من الضحايا من الجانبين، فيما يحذر حلف شمال الأطلسى “الناتو” من هجوم روسى جديد واسع النطاق فى القريب العاجل. كما تشير كافة المؤشرات كذلك على أن روسيا قد نجحت فى التكيف مع العقوبات المفروضة عليها جراء الهجوم على أوكرانيا فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

كما جاء التحدى الروسى رداً على إجتماعات مؤتمر ميونيخ للأمن، من خلال إعلان الجيش الروسى سيطرته على عدة مواقع فى منطقة خاركيف شمال شرق أوكرانيا، حيث تشن القوات الروسية عدة ضربات منذ فترة، بالتوازى مع عدد من الهجمات الروسية الأخرى فى مناطق (باخموت وفوغليدار).

وفى هذا السياق، يتوقع الحلفاء والمجتمعون فى مؤتمر ميونيخ للأمن بإطالة أمد الحرب، وهو ما حذر منه كافة القادة الأوروبيين المجتمعين خلال فترة المؤتمر. وهذا يثبت فشل مؤتمر ميونيخ للأمن فى تحقيق أى نجاح أو حشد غربى يذكر لإيقاف أمد الحرب أو لفرض قرارات ملزمة على الجانب الروسى. وهنا نفهم، مدى القلق الأمريكى والغربى تجاه نوايا الصين وروسيا تجاههم، مع تجدد النقاشات فى مؤتمر ميونيخ للأمن حول عدد من الأسئلة التى تهم الجانبين الصينى والروسى لمعرفة الإجابة عليها، من قبيل:

إلى أى مدى ينبغى لأوروبا تعزيز قدراتها العسكرية؟ وإلى أى حد عليها الإعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية فى أمنها؟ وكم يجب على الحكومات أن تنفق على الدفاع؟

وأخيراً، فقد أتى تركيز الإهتمام الصينى والروسى المشترك خلال مؤتمر ميونيخ للأمن على معرفة موقف القادة الأوروبيين والعسكريين المجتمعين خلال مناقشات المؤتمر، لفهم رؤيتهم وموقفهم المحدد حول أبرز التداعيات العالمية بعيدة المدى للحرب على أوكرانيا على قضايا جوهرية عالمية تبدأ من إمدادات الطاقة إلى أسعار المواد الغذائية.

وهنا يبدو أن الإستراتيجية الحالية للقادة والعسكريين المشاركين فى مؤتمر ميونيخ للأمن، قد باتت تقبل الحرب الروسية الأوكرانية بلا نهاية فى المستقبل المنظور، خاصةً مع مقاطعة موسكو للمؤتمر، وعدم التوصل لأى إتفاق ملزم مع الرئيس “بوتين”. بالإضافة للأهم وهو نجاح روسيا فى الإلتفاف على العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة عليها، ونجاحها فى التنصل منها بالبحث عن بدائل أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى