غير مصنف

الفارس الذي تصدي لمحنة خلق القرآن

جريدة الأضواء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ذكرت المصادر التاريخية الكثير والكثير عن أهل العلم والعلماء والأدباء والشعراء، وأئمة الإسلام والمسلمين، والذي كان من بينهم الإمام أحمد بن حنبل، وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وبدأ الإمام أحمد بن حنبل رحلته الميمونة في طلب الحديث سنة مائة وستة وثمانون من الهجرة، الموافق سنه ثماني مائة واثنين ميلادى، وهو في الثانية والعشرين من عمره، واتجه إلى البصرة، والكوفة والرقة، واليمن، والحجاز، والتقى بعدد من كبار علماء الأمة وفقهائها العظام، من أمثال يحيى بن سعيد القطان، وأبي داود الطيالسي، ووكيع بن الجراح، وأبي معاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، والشافعي الذي لازمه ابن حنبل وأخذ عنه الفقه والأصول، وكان يقول عنه الإمام الشافعي.

ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي، وكان شغف ابن حنبل بطلب الحديث يجعله يستطيب كل صعب، ويستهين بكل مشقة، لم تمنعه إمامته وعلو قدره من الاستمرار في طلبه العلم، ولا يجد حرجا في أن يقعد مقعد التلميذ بعد أن شهد له شيوخه أو أقرانه بالحفظ والإتقان، يراه بعض معاصريه والمحبرة في يده يسمع ويكتب، فيقول له يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين، فيكون جواب الإمام مع المحبرة إلى المقبرة، وكان الإمام أحمد على موعد مع المحنة التي تحملها في شجاعة، ورفض الخضوع والتنازل في القول بمسألة عمّ البلاء بها، وحمل الخليفة المأمون الناس على قبولها قسرا وقهرا دون دليل أو بيّنة، وتفاصيل تلك المحنة أن الخليفة العباسي المأمون.

أعلن في سنة مائتان وثماني عشر من الهجرة، دعوته إلى القول بأن القرآن مخلوق كغيره من المخلوقات، وحمل الفقهاء على قبولها، ولو اقتضى ذلك تعريضهم للتعذيب، فامتثلوا، خوفا ورهبا، وامتنع أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح عن القول بما يطلبه الخليفة، فتم تقييدهم بالحديد، وتم إرسالهم إلى بغداد إلى الخليفة المأمون الذي كان في طرسوس، لينظر في أمرهما، غير أنه توفي وهما في طريقهما إليه، فأعيدا مكبّلين إلى بغداد، وفي طريق العودة قضى محمد بن نوح نحبه في مدينة الرقة، بعد أن أوصى رفيقه بقوله، أنت رجل يُقتدى به، وقد مدّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتقي الله واثبت لأمر الله، وكان الإمام أحمد عند حسن الظن، فلم تلن عزيمته، أو يضعف إيمانه أو تهتز ثقته.

فمكث في المسجد عامين وثلث عام، وهو صامد كالرواسي، وحُمل إلى الخليفة المعتصم الذي واصل سيرة أخيه على حمل الناس على القول بخلق القرآن، واتخذت معه في حضرة الخليفة وسائل الترغيب والترهيب، ليظفر المجتمعون منه بكلمة واحدة، تؤيدهم فيما يزعمون، يقولون له ما تقول في القرآن؟ فيجيب هو كلام الله، فيقولون له أمخلوق هو؟ فيجيب هو كلام الله، ولا يزيد على ذلك، ويبالغ الخليفة في استمالته وترغيبه ليجيبهم إلى مقالتهم، لكنه كان يزداد إصرارا، فلما أيسوا منه علقوه من عقبيه، وراحوا يضربونه بالسياط دون أن يستشعر واحد منهم بالخجل وهو يضرب إنسانا لم يقترف جرما أو ينتهك عرضا أو أصاب ذنبا، فما بالك وهم يضربون إماما فقيها ومحدثا ورعا.

يأتمّ به الناس ويقتدون به، ولم تأخذهم شفقة وهم يتعاقبون على جلد جسد الإمام الواهن بسياطهم الغليطة، حتى أغمي عليه، ثم أطلق سراحه، وعاد إلى بيته، ثم مُنع من الاجتماع بالناس في عهد الخليفة الواثق لا يخرج من بيته إلا للصلاة، حتى إذا ولي المتوكل الخلافة، فمنع القول بخلق القرآن، ورد للإمام أحمد اعتباره، فعاد إلى الدرس والتحديث في المسجد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى