مقال

نفحات إيمانية و لله على الناس حج البيت ” الجزء الثامن

نفحات إيمانية و لله على الناس حج البيت ” الجزء الثامن

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع لله على الناس حج البيت، وأما عن طواف الوداع، فإنه بعد أن ينتهي الحجاج من رمي الجمرات ومغادرة مشعر منى، وأرادوا الخروج من مكة والعودة إلى بلدانهم بعد الانتهاء من المناسك وجب عليهم أن يطوفوا طواف الوداع، بأن يطوفوا حول الكعبة سبعة أشواط، ويصلوا خلف مقام إبراهيم ركعتين ختاما للمناسك وليكون آخر عهدهم المسجد الحرام قبل مغادرتهم لمكة المكرمة، وذلك لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس أنه قال “كان الناس ينصرفون من كل وجه” فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت” بمعنى أنه طواف الوداع واجب على كل الحجاج، وذكر في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس أنه قال “أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت.

 

إلا أنه خفف عن المرأة الحائض” بمعنى أن الحائض والنفساء ليست مطالبة بأداء الطواف ولا حتى فدية، وبعد الانتهاء من الطواف يخرج الحجاج من مكة عائدين إلى بلدانهم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن حُبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلّ من كل شيء، حتى يحجّ عاما قابلا، فيهدى أو يصوم إن لم يجد هديا ” رواه البخارى، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يُقال لها أم سنان “ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت ناضحان كانا لأبي فلان زوجها، حجّ هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي غلامنا، قال ” فعمرة في رمضان تقضي حجّة, أو حجّة معي” رواه البخاري ومسلم.

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحجّ، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال “نعم حُجّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية عنها؟ اقضوا الله, فالله أحقّ بالوفاء” رواه البخارى، فإن الحج عبادة عظيمة، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المستطيع بالمبادرة بها فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ” تعجّلوا إلى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له” ولا شك أن فريضة الحج مدرسة عظيمة، يتلقّى فيها الحاج عددا من الدروس النافعة، يستطيع أن يتعلم منها ما ينفعه طوال عمره، وليس في وقت الحج فقط، ومن الدروس هى التقوى وهي دُرّة الصالحين، وهدف المفلحين، وشعار المؤمنين، وهي الغاية من كل عبادة. 

 

ويتجلي تحقيقها في الحج في الحرص على اجتناب محذورات الإحرام، والحرص على القيام بالطاعات من الدعاء والصلاة والذكر، وهذه من خصال الأتقياء، ومن الدروس أيضا هو حُسن الخُلق حيث لا تظهر حقيقة أخلاق المرء إلا إذا لقى بعض الشدائد، وتظهر له بعض ما كان يُخفي منه وقت الرخاء من سوء خُلقه، ففي الحج يلاقي المرء من الزحام والشدائد، ويجتمع بعدد من الناس الذين تختلف طباعهم، فيحتاج إلى الصبر والحلم، والعفو والكرم، وكل هذا يحتاج إلى تدريب ومجاهدة ومعاناة، وحينئذ يتدرب على حُسن الخُلق، وفي الحج يظهر للحاج كأنه في مشهد يوم القيامة، فالموقف قد جمع الناس من المشرق والمغرب، وهم يختلفون في أوطانهم وأعمالهم ولهجاتهم، فهذا يذكر الحاج بيوم الجمع الأكبر وهو يوم القيامة، فيبعثه على إعداد الزاد للقاء الله. 

 

ومن الدروس أيضا هو اللجوء إلى الله عز وجل، فالحاج منذ أن يشرع في الرحلة إلى الحج، يبتهل إلى الله بالدعاء أن يوصله الله بخير إلى البلد الحرام، وفي أثناء القيام بالشعائر يدعو الله أن يتقبل منه، وفي أثناء الزحام يدعو الله أن يديم عليه العافية، وكذلك في المواضع التي يستحب فيها الدعاء، يواصل الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، ومن الدروس أيضا هو افتقار العباد إلى الله تعالى فالجميع أتوا إلى البيت الحرام، يرجون رحمة الله، ويخشون عذابه، يرغبون في رضاه، ويَحذرون من سخطه، يظهرون فَقرهم وضعفهم وحاجتهم إليه، فينظر الحاج إلى إخوانه، يراهم يطلبون ما يطلب، ويرغبون فيما يرغب، فيظهر فقره إلى الغني، وضعفه إلى القوي، وذله إلى العزيز، فمن عظيم فضل الله علينا ومنته أن جعل عقيدتنا وشريعتنا من الروافد الأساسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى