مقال

نسائم الايمان ومع المدينة المنورة ” الجزء الثامن “

نسائم الايمان ومع المدينة المنورة ” الجزء الثامن ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع المدينة المنورة، وحسب كتابات ابن إسحاق، فإن نزاعا وقع بين آخر ملوك الحميريين وسكنة يثرب، فيقول أنه عندما كان ذاك الملك يعبر المدينة، تعرض له بعض السكان وقتلوا ابنه، فهدد الملك بإبادة الناس عن بكرة أبيهم وقطع نخيلهم، وكان أن يفعل ذلك لولا أن تدخل اثنين من رجال الدين اليهود، وأقنعوا الملك بالعدول عن فكرته، لأن هذه المدينة هي مكان “سيهاجر إليه نبي من قريش في الزمن الآتي، وسيقيم فيها، ويُدفن فيها” وبناء على هذا امتنع الملك عن تدمير المدينة، واعتنق اليهودية، وصحب الحاخامان معه إلى اليمن، وفي الطريق مروا بمكة حيث عرفا الكعبة على أنها ذاك البيت الذي شاده الخليل إبراهيم عليه السلام.

 

فنصحا الملك أن يفعل ما يفعله أهل مكة، وهو أن يطوف بالبيت، ويبجله ويوقره، وأن يحلق رأسه ويحرم حتى يُتم الحج، ويفيد ابن إسحق أنه عند وصول الجمع إلى اليمن، قام الحاخامان بمعجزة اعتنق أهل البلاد اليهودية على أثرها، وذلك بأن سارا في النار دون أن يحترقا، وقد تحول الأوس والخزرج إلى عدوين لدودين بعد سنوات من وصولهم ليثرب، وتنص المصادر بأن اليهود خافوا من اتساع سلطة ونفوذ القبيلتين، فقاموا بالتفريق والإيقاع بينهم، ونجحوا في خططهم واشتعلت الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج، واستمرت قرابة مائة وعشرين عاما، ولم تنته هذه الحرب إلا عند هجرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى يثرب.

 

وفي القرن السابع الميلادي ظهر الإسلام في مكة على يد النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي بدأ في دعوة الناس إلى الدين الجديد، وكانت تلك الدعوة سببا في إغضاب سادة قريش الذين كانوا يسكنون مكة، فأعد المشركون كافة الأساليب لإحباط هذه الدعوة، فلم يجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسيلة إلا بالهجرة إلى يثرب، وذلك بعدما اتفق مع وفد قبيلتي الأوس والخزرج على نصرته وحمايته، وبالفعل هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب ومعه صاحبه أبو بكر الصديق، وقبل دخوله ليثرب عرج على قباء لأداء الصلاة وبنى هناك مسجدا كان أول مسجد في الإسلام، وقد دخل النبى صلى الله عليه وسلم يثرب يوم الجمعة الثانى عشر من شهر ربيع الأول.

 

فى السنة الأولى من الهجرة الموافق يوم السابع والعشرون من شهر سبتمبر سنة ستمائة واثنين وعشرين من الميلاد، ثم قام بعد ذلك ببناء المسجد النبوي الشريف وهو نواة الدولة الإسلامية الجديدة، وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعون رجلا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، حتى لم يبق من المهاجرين أحد إلا آخي بينه وبين أنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم “تآخوا في الله أخوين أخوين” ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال “هذا أخي” فكان الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم، مع المهاجرين، وكانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين غزوة بدر.

 

فرد التوارث إلى ذوي الرحم وبقيت الأخوة، وذكر البلاذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين أنفسهم في مكة قبل الهجرة، وأيد حدوثها الشيعة، بينما رجح ابن القيم وابن كثير من أهل السنة عدم وقوعها، ثم نظم رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاقات بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتابا اصطلح عليه باسم دستور المدينة أو الصحيفة، واستهدف هذا الكتاب توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتحديد الحقوق والواجبات، كما نص على تحالف القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة، وعاهد فيها اليهود ووادعهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وقام بتغيير اسمها من يثرب إلى المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى