مقال

نفحات إيمانية ومع أبا حنظله مالك بن نويرة ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع أبا حنظله مالك بن نويرة ” جزء 6″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع أبا حنظله مالك بن نويرة، أما اتهام خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قتل مالك بن نويرة من أجل أن يتزوج امرأته لهواه السابق بها، فيبدو أنها تهمة مبكرة رماه بها مالك نفسه وبعض أتباعه بها، وليس لهم عليها دليل ظاهر، إنما يبدو أنه أطلقها ليغطي بها السبب الحقيقي الذي قتل لأجله وهو منع الزكاة، ويدل على ذلك الحوار الذي نقله الواقدي بين خالد ومالك، وقال الواقدى في “كتاب الردة” فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته، فنظر إليها ثم قال يا خالد بهذا تقتلنى، فقال خالد بل لله أقتلك، برجوعك عن دين الإسلام، وجفلك ويعني منعك لإبل الصدقة، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم، فقال ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا.

 

فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم، وروى ثابت بن قاسم في “الدلائل” أن خالدا رأى امرأة مالك، وكانت فائقة في الجمال فقال مالك بعد ذلك لامرأته قتلتيني، يعني سأقتل من أجلك، وهذا قاله ظنا، فوافق أنه قتل، ولم يكن قتله من أجل المرأة كما ظن، ويقول ابن حجر الهيتمي في “الصواعق المحرقة” الحق عدم قتل خالد، لأن مالك ارتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فعل أهل الردة، وقد اعترف أخو مالك لعمر بن الخطاب بذلك، وأما عن تزوجه امرأته لعله لانقضاء عدتها بالوضع عقب موته، أو يحتمل أنها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الأزواج على عادة الجاهلية.

 

وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التى لا تصدر من أدنى المؤمنين، فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه، فالحق ما فعله أبو بكر، لا ما اعترض به عليه عمر رضي الله تعالى عنهما، ويؤيد ذلك أن عمر لما أفضت إليه الخلافة لم يتعرض لخالد، ولم يعاتبه، ولا تنقصه بكلمة في هذا الأمر قط، فعلم أنه ظهر له أحقية ما فعله أبو بكر، فرجع عن اعتراضه، وإلا لم يتركه عند استقلاله بالأمر، لأنه كان أتقى لله من أن يداهن في دين الله أحدا، وقيل إن خالد بن الوليد أخذها هي وابنها ملك يمين بوصفها سبية، إذ إن السبية لا عدة عليها، وإنما يحرم حرمة قطعية أن يقربها مالكها إن كانت حاملا قبل أن تضع حملها، وإن كانت غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة.

 

ثم دخل بها وهو عمل مشروع جائز لا مغمز فيه ولا مطعن، إلا أن أعداءه والمخالفين عليه رأوا في هذا العمل فرصتهم، فانتهزوها وذهبوا يزعمون أن مالك بن نويرة مسلم، وأن خالدا قتله من أجل امرأته وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله، فهذا مما لم يعرف ثبوته، ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم، والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة هل تجب للكافر ؟ على قولين وكذلك تنازعوا هل يجب على الذمية عدة وفاة ؟ على قولين مشهورين للمسلمين، بخلاف عدة الطلاق، فإن تلك سببها الوطء، فلا بد من براءة الرحم، وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا ؟ فيه نزاع، وكذلك إن كان دخل بها، وقد حاضت بعد الدخول حيضة وهذا إذا كان الكافر أصليا.

 

وأما المرتد إذا قتل، أو مات على ردته، ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة، لأن النكاح بطل بردة الزوج، وهذه الفرقة ليست طلاقا عند الشافعى وأحمد، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة، ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة، بل عدة فرقة بائنة، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها، كما ليس عليها عدة من الطلاق، ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتدا، فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء، وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة، لا بعدة كاملة، في أحد قوليهم، وفي الآخر بثلاث حيض، وإن كان كافرا أصليا فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت .

 

ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم، وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد، والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم ، وهذا مما حرمه الله ورسوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى