مقال

الرسول وتبليغ الرسالة.

الرسول وتبليغ الرسالة.

بقلم / محمد الدكروري

 

يجب أن نعلم الجهد الهائل الذي كان يبذله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يسمح بفوات فرصة لتبليغ رسالة الإسلام إلى الناس، ولم يكن يتحرج من أن يُفاتح في أمر الدين رجالا ما عرفهم إلا منذ دقائق معدودات، ولم يكن يتعلل بما يقوله كثير من المسلمين الآن من أنه لا بد من التعارف الطويل الذي قد يمتد إلى شهور وسنوات حتى تكلم الناس في أمر العقيدة، خاصة أنه هنا يقابل أفرادا قد لا يتيسر له أن يقابلهم ثانية، لذا فقد كان يتحدث مع الناس بشكل مباشر واضح لا يضيع فيه وقتا، وكان بعض المسلمين ينتهج طريقة الدعوة بالسلوك فقط، فيتخيل أن الناس إذا رأت منه الأخلاق الحميدة، والخصال الشريفة، فهذا يكفي للتعريف بالإسلام، وهذا الفكر في الواقع صواب من ناحية، وخطأ من ناحية أخرى، فالسلوك مهم جدا لإقناع الناس بالجانب العملي والتربوي في هذا الدين.

 

ولكن الاكتفاء به وحده دون تصريح مباشر بالمرجعية الإسلامية العقائدية لهذا السلوك خطأ كبير، لأن عموم الناس ليست لهم القدرة على ربط أخلاق المسلم الحميدة بالإسلام، إلا إذا صرح هو بذلك، والناس لن تعرف شيئا عن العقيدة الإسلامية الصحيحة بما فيها من توحيد لله، وإيمان بالنبوة، ويقين في اليوم الآخر، إلا إذا كان الحديث في هذه الأمور مباشرا صريحا لا لبس فيه ولا غموض، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق الزمن في حديثه مع الناس في شأن الإسلام، فهذا اللقاء مع بني عبد الأشهل قد لا يتكرر أبدا، وقد ينبهرون فيه بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، دون أن يلتفتوا إلى أن كمال أخلاقه راجع إلى نبوّته وعصمة الله عز وجل له، وقد يظنونه أحد الشرفاء الكثيرين الذين برزوا في جانب الأخلاق، ومع ذلك فهم يعبدون اللات والعزى.

 

لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل في صلب العقيدة مباشرة، فيتحدث عن توحيد الله وعدم الإشراك به، ويصف معتقده في اليوم الآخر، ويقرأ على الناس آيات من القرآن الكريم، وهكذا يجب أن يكون الداعية الصادق، الذي يحمل همّ الدعوة، ويحرص على أن يكون سببا في هداية الناس، ولننظر جميعا، كيف أن الله عز وجل يفتح قلوبا للإسلام بكلمات قليلة، بينما تنغلق قلوب أخرى فلا تتأثر قيد أنملة، ولقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الإسلام بكلمات موجزة، وقرأ بضع آيات من القرآن الكريم، ولقد كانت الرسالة واضحة جدا، ومع ذلك فقد تفاوتت ردود الفعل للآيات نفسها تفاوتا عجيبا, فأحد السامعين تأثر بشدة وأخذ قرار تغيير العقيدة إلى الإسلام بشكل سريع للغاية، وسامع آخر أخذ الاتجاه المضاد تماما، فلم يكتفى برفض الدين.

 

بل حرص على صد الآخرين عن الإيمان، ومجموعة أخرى من السامعين سكتت ولم تعلق، وكأنها مترددة لا تعرف في أي الاتجاهات تسير، ولقد قال الله سبحانه وتعالى عن ذلك فى كتابة الكريم فى سورة الحج ” وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدى من يريد ” فالآيات البينات واحدة، ولكن الله تعالى، أراد أن يهدي بها واحدا ولا يهدي بها آخر، وهذا التفاوت مرده إلى قلب كل واحد من هؤلاء السامعين، فهذا قلب رقيق متواضع سيفتحه الله عز وجل للقرآن الكريم، وهذا قلب غليظ قاسى لن يُيسر الله تعالى له الهداية فقد قال الله سبحانه وتعالى عن ذلك فى كتابة الكريم فى سورة الزمر ” أفمن شرح الله صدره إلى الإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك فى ضلال مبين، الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ”

 

فالمسألة في الحقيقة قلبية بحتة، فهذا قلب قاسى معزول عن ذكر الله، وقلب خاشع يلين لذكر الله، فليس هناك ظلم ولا إجحاف، إنما العبد في الواقع هو الذي يختار بقلبه، ويحدد بإرادته، والله يهدي أصحاب القلوب الرقيقة، ويضل الغلاظ القساة، وهذا منتهى العدل والحكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى